عندما يلفظ البحر أنفاسنا..
المبروك الصغير
ليبيانا التي تنعم بسواحل تسد الأفق على ضفاف بحر يفترض أن يكون مصدرا من مصادر الحياة بما يشكله من ثروة وبما يُؤّمنه من طريق بحريّ للتجارة العالمية بنقله للبضائع والسفن والبواخر، في حين أن بعض الدول قد تستغل تلك البحار بما تحمله على ظهرها من بوارج أو بما تحويه في بطنها من غواصات لأغراض أخرى قد تهدد أمن الدول وتستخدم للابتزاز الدولي تارة وللترهيب والاستعراض تارة أخرى، رغم هذا وذاك وَجدت فيه جموع من الشعوب التي لم تعد تحتمل الجحيم المستعر في بلدانها ملجأ ومعبرا ملقية بنفسها في يمّه لعل أمواجه توصلهم إلى ضفة أخرى طلباً لحياة أفضل تتحقق فيها أحلام لا يمكن التكهن بمدى مصداقيتها في كونها آمالا أو سراباً يقود إلى الهلاك.
منذ عقود لم يكن في الحسبان أن يأتي يوم ويضطر الشعب الليبي إلى أن يلجأ إلى الطرق الخطيرة واللاشرعية لطرق أبواب بلدان أخرى، لكن ظروف البلاد أجبرت الكثيرين على هذا الخيار المؤلم، وجعلتنا ندرك الحقائق التي يجب أن تكون حاضرة في الأذهان في أننا كشعب ليبي إن لم نمتلك زمام أمورنا ونكون فاعلين في تفاصيل الحياة السياسية فإن أهوالا كثيرة كنا نراها عند آخرين ستسكن فينا وتعبث بحياتنا.
الحالة التي وصلنا إليها وتداعياتها تستدعي منا كشف ملابساتها وفضح سوءاتها، فالحالة جد مؤسفة في أن يفقد إنسان كل أمل على تراب وطنه ولا يجد إلا ذاك الأفق الممتد المزرق الذي لا يمكن التكهن بما يحمله من مخاطر وضياع للأرواح وانتحار للأحلام، وربما في هذه الحالة تثار جدلية التي تفيد بأن الشعوب هم من تقع عليهم اللائمة حيث رضوا أن يتحكم بمصائرهم طغمة جائرة بل رما هم من أوصلوهم وأعطوهم تلك الشرعية، وفي جهة أخرى تفيد الجدلية بأن الساسة هم من يتحملون تبعات تصرفاتهم الهوجاء التي أدت بالبلاد إلى الحظيظ ومستنقع الدماء وأفواج من المهاجرين الذين تتلقفهم مياه البحار أو تنالهم بنادق الخفر.
إليك يا من تبحث عن الخلاص إنهاء المأساة يكمن في إعادة تصحيح المسار وترتيب المستهدفات، فقد أثبت التاريخ أن حلول مشكلات وأزمات الشعوب تولد من داخل ذات الشعوب، من ترسيخ حقيقة ثابتة يجب أن لا تغدرنا هي أن المواطن الليبي يجب أن يسعى لحصوله على حقوقه كاملة لا أن يلجأ الى الهروب والابتعاد وإن تلك الحقوق هي استحقاق طبيعي لا يعد في إطار المنة من أحد ولا التفضل من أيٍّ كان لأنك صاحب الأرض وما تحتها وما فوقها ومن تمتلك سماءها أيضا.