عندما يكون الوطن على المحك
محمد عمر أحمد بن اجديرية *
ككل الحروب الأهلية التي شهدها عالمنا المعاصر خلال العقود السبعة الأخيرة، فإن مرد الإنسداد السياسي والإحتكام إلى السلاح في ليبيا هو تعنت الفرقاء والخصوم، وفقدان الثقة بينهم، وتصور بعض الأطراف لإمكانية الحسم العسكري، وعملت ثقافة الكراهية والأحقاد على تغذية الصراع والعداء وفاقم الوضع وزاد الأمر تعقيدا استقواء كافة الأطراف بالخارج الأمر الذي أطال من أمد الإقتتال والإحتراب وزاد من معاناة المواطن الليبي.
طيلة السنوات الستة الماضية تعود متصدرو المشهد السياسي العام من عسكر وساسة على أن يكونوا بؤرة الإهتمام، حيث كانت جميع التسويات والإتفاقيات والمساعي الحميدة تجري بينهم، وتم إختزال ليبيا في طرفين في شرق وغرب ليبيا، مما عمل على تواتر التصعيد والإقتتال بينهما بضراوة في جميع مناطق ليبيا، كانت آخرها حرب العاصمة التي أجهضت مؤتمر غدامس التصالحي الذي عول عليه الليبيون كثيرا، عله يخرجنا من أتون أزمة طاحنة تكاد تطيح ببقية ما تبقى لنا من وطننا (ليبيا).
أمام تعنت الفرقاء ومتصدري المشهد العام بكساحة راس وتسكير دماغ غريبين، قامت بعثة الأمم المتحدة للدعم بإشراك مستقلين من خارج متصدري المشهد في الشرق والغرب، وكانت براعة وحنكة أثبتت جدواها بفعالية مع إنطلاقة أولى جولات ملتقى الحوار السياسي الليبي بتونس.
كلنا كليبيين ندرك أن الكتلتين المتصارعتين على السلطة والثروة والجاه في صراع سيزيفي عبثي ليس من أجل الوطن ولا من أجل الحق أو الشعارات الكبيرة الطنانة التي يرفعونها، والكتلتان هما:
1- كتلة الشرق (قوات الكرامة – برلمان طبرق – الحكومة المؤقتة).
2- كتلة الغرب (قوات بركان الغضب – المجلس الرئاسي- المجلس الأعلى للدولة).
وندرك جيدا كليبيين أن هاتين الكتلتين هما المستفيدتين الوحيدتين من إطالة الأزمة الراهنة، ومتصدري المشهد السياسي في هاتين الكتلتين يعرفون جيدا أن إمتيازاتهم وغنائمهم الراهنة ستنتهي بمجرد إجراء انتخابات نزيهة وشفافة، وأن أغلبهم سيتم إيداعهم السجون عند إجراء عدالة إنتقالية حقيقية في ليبيا، لذا يستميت هؤلاء في تعطيل أي خطوة أو مسعى حقيقي للحل، ولأنهم يجيرون مقدرات البلد وكافة إمكانياته للبقاء في السلطة، حتى لو كان على حساب معاناة الليبيين وضياع الوطن، من هنا حس متصدرو المشهد بخطورة إشراك مستقلين – بعيدين عن سيطرتهم – في الحوار السياسي، فقامت الكتلتان – كل كتلة على حدة – بوضع خطة لشيطنة المستقلين والتشكيك فيهم، عبر الخطوات التالية:
– أسبوعين قبل الإعلان الرسمي من قبل البعثة عن القائمة النهائية للمشاركين في ملتقى الحوار السياسي الليبي طفقت الجيوش الإلكترونية التابعة للكتلتين المتصارعتين في الغمز واللمز في آلية إختيار البعثة للمستقلين، وظلت القنوات الليبية التابعة للكتلتين تتحدث ولأسبوعين عن معايير الإختيار. بل بلغت السذاجة والإسفاف بالبعض في لقاء تلفزيوني في قناة ليبية إلى القول أن البعثة تبيع المشاركة في ملتقى الحوار السياسي بعشرة آلاف دولار وأقسم بأغلظ الأيمان على ذلك! في استسخاف ممجوج لعقلية المشاهد الليبي.
– التشكيك في الشخصيات المستقلة، والعمل علي شيطنتهم ونعتهم بشتي النعوت والصفات غير اللائقة، لإظهارهم وكأنهم نشاز ودخلاء على الحوار السياسي.
– قبل ظهور وثيقة ميثاق الشرف، وشروط المشاركة على موقع البعثة والتي وقع عليها المشاركون، إنتشرت الإشاعات بأن المشاركين في ملتقى الحوار السياسي الليبي، سيعملون على تشكيل حكومة ومجلس رئاسي جديدين من الحاضرين في ملتقى الحوار السياسي الليبي.
– إشاعة أن المستقلين أصحاب أجندات خارجية دفعت بهم المخابرات الأجنبية عبر البعثة، لتمرير أجندات الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
ساعد على إنتشار هذه الإشاعات التي للأسف انطلت على الكثيرين من البسطاء الليبيين، التكتم الشديد والصرامة الفائقة التي إتبعتها البعثة، فضلا عن شح المعلومات، إجراءات أتبعتها البعثة لضمان نجاح ملتقى الحوار السياسي الليبي بتونس دون تشويش أو تدخل.
ومع قرب إنعقاد ملتقى الحوار السياسي الليبي بدأت تلك الإشاعات والأباطيل تتهافت الواحدة تلو الأخرى.
مع أولى جلسات ملتقى الحوار السياسي الليبي بتونس، أحس أعضاء الكتلتين (26 مشارك) بخطورة المستقلين على وضعهم الراهن، فتكتل المشاركة من الكتلتين لأول مرة منذ تصدرهم المشهد العام، لمواجهة المستقلين.
مخرجات الجولة الاولى لملتقى الحوار السياسي الليبي بتونس(1)* شكلت بارقة أمل لنا كليبيين، بفضل الدور المميز والوطني بامتياز الذي لعبه المستقلين في مقارعة متصدري المشهد العام من المشاركين من البرلمان أو من المجلس الأعلى للدولة، وحسب ما رشح من مداولات ما وراء الكواليس أثناء جلسات الجولة الأولى لملتقى الحوار السياسي الليبي بتونس، فإن 44 من المستقلين البالغ عددهم 49 كانوا على قدر المسئولية التاريخية، بينما تم استمالة خمسة مستقلين من المؤلفة قلوبهم والباحثين عن فرصة إلى جانب كتلة متصدري المشهد العام.
مخرجات الجولة الأولى لملتقى الحوار السياسي الليبي بتونس أظهرت علو كعب المستقلين الذين دافعوا عن مصالح الوطن دفاع الفرسان عن الحياض، وبمجرد إنتهاء الجولة الأولى أصيب متصدري المشهد بالذعر وأحسوا أن الجولات القادمة ستسحب البساط نهائيا من تحت أيديهم، لذا سارعوا إلى تجاوز خلافاتهم، وتفتقت أذهانهم عن خطة استعجالية من ثلاث محاور لإستعادة تسيد والسيطرة على مجريات الأمور، نوجزها في التالي:
المحور الأول : اشاعة أجواء اليأس عبر القول أن ملتقى الحوار السياسي الليبي بتونس كان فاشلا، والعمل على إلهاء الليبيين بالحديث عن أمور فرعية ذات علاقة بالملتقي، وتلفيق التهم ولي عنق الحقيقة عبر إختلاق وقائع ما أنزل الله بها من سلطان، وأحيانا اللجوء إلى الكذب، وتقويل المتحاورين ما لم يقولوا(2)*.
المحور الثاني : خلق قضية فرعية عبر التركيز على ضرورة الاستفتاء على الدستور في أسرع وقت ممكن (وسنبين هذا الأمر في مقال منفصل إن شاء الله).
المحور الثالث : المسارعة إلى إحياء رميم البرلمان المنقسم على نفسه منذ ستة سنوات، والذي لم يصل قط إلى النصاب طيلة هذه السنوات.
لقاء واجتماع اعضاء برلمان طبرق وبرلمان طرابلس وبقية المنشقين في طنجة هو محاولة لتجاوز خلافاتهم والعودة إلى الساحة بقوة، ليكونوا هم المتصدرين، بعد أن أصابهم الذعر والهلع من ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي لم يستطع وفديهما (26 مشارك) من احتواءه بفضل دور المستقلين الوطني دون مزايدة.
كلمة أخيرة بمثابة إنذار
بات من البديهيات الفشل الذريع لمتصدري المشهد العام في ليبيا في إدارة الأزمة طيلة السنوات التسعة الماضية، بسبب التعنت والجهل والطمع والفساد والتدخلات الخارجية، عليه فإن الشعب الليبي الذي أعطاكم الفرصة تلو الأخرى وضيعتموها بغباء، وصبر عليكم كثيرا لعل وعسى، يخبركم الشعب الليبي أنه متمسك بملتقى الحوار السياسي الليبي بكل مخرجاته، ويرى فيه بارقة أمل وشعاع نور للخروج من النفق المظلم الذي أدخلتمونا فيه برعونتكم وعنجهيتكم، ويحذركم من التمادي في غباءكم من خلال المحاولات المستميتة للتشويش وإفشال ملتقى الحوار السياسي الليبي، ويخبركم الشعب الليبي أن صبره قد نفذ وأنه يعطيكم مهلة أسابيع قليلة للركون إلى الهدوء وترك الأمور تسير في مسارها الصحيح من خلال جولات ملتقى الحوار السياسي الليبي، وأي محاولة أخرى منكم للعودة إلى المشهد ستعمل إلى إخراج الشعب الليبي عن بكرة أبيه إلى الشوارع والساحات في حراك عام، سيطيح بكافة متصدري المشهد العام دون استثناء وسيكون مكانكم ساحات المحاكم وليس سدة الحكم، حراك أعددنا له على مهل وروية وبتنظيم محكم على مدار أشهر طويلة، عملنا على تأجيله لإعطاء ملتقى الحوار السياسي الليبي فرصة للخروج بنا من نفقكم الحالك السواد.
لقد أعذر من أنذر، اللهم اني قد بلغت اللهم فاشهد.
* رئيس تجمع ليبيا الأمل