عندما تحكم الجرذان
عنوان المقال يعود لنص مسرحي للأديب الليبي منصور أبوشناف الذي دفع ثمنه أكثر من عشر سنوات من عمره في غياهب السجن في حقبة السلطة الشعبية .
سقط النظام الجماهيري ولا زال العنوان بوهجه، فحكايا الجرذان لا تنتهي ما دامت أسباب ظهورها موجودة ، فهي التي قضمت حبال سفينة سيدنا نوح لتغرقها، وهي التي ما ظهرت في قرية إلا وكان داء الطاعون مهددا لها .
ذات المواصفات تنطبق على من حكموا ليبيا في زمن اكتشاف النفط وبعده، وهي نفسها التي حكمت ليبيا عقب ثورة فبراير ، فخرقوا سفينة البلاد وأغرقوا أهلها في طوابير الجوع والفقر ، وكانوا أشبه بمرض الطاعون فتوسعوا في ليبيا عقب فبراير وكان لهم في كل شارع جمع غفير من سفهاء القوم، حكاياهم في ليبيا هي تجسيد واقعي للمسرحية، وركحها هو الحياة اليومية في عهد فبراير، وإن بحث المهتمون عن وصف لمن يحكم في ليبيا ويملك قرارها ومصيرها فلن يجدوا في المعاجم أبلغ من عنوان النص المسرحي { عندما تحكم الجرذان } .
نحن نقترب من نهاية الشهر الثاني لمعركة الجيش في تحرير طرابلس من بقايا الحكم الذي ابتلع ليبيا في غفلة من نخبها ومثقفيها وسياسييها وشعبها المسالم، معركة طرابلس التي تأخرت ثماني سنوات منذ سقوط باب العزيزية تمثل ديمومة البحث عن الخلاص لأبناء ليبيا من اللصوص والفاسدين والمجرمين .
خلال الأيام الطويلة من معارك الكر والفر شهدت الساحة الليبية على مستواها الإعلامي قمة الهوس الاعلامي، واستخدم الإسلاميون بروباغندا مهولة قلبت المفاهيم رأسا على عقب وسمحت لهم بالظهور بمظهر المدافع عن الدولة المدنية ضد ما أسمته عسكرة الدولة.
الدولة المدنية التي حاربتها الطغمة الإسلامية الفاسدة لسبع عجاف أو يزيد، تبدو كشعار براق زائف للتمترس خلفها واعتبارها الخيار المنشود لأبناء ليبيا، فحشدوا المأجورين على الفضائيات والمواقع الإلكترونية وفضاءات التواصل الاجتماعي، من أجل إقناع الليبيين الحالمين بالخلاص من أسر ميليشاتهم بأنهم يدافعون عن حلم الدولة المدنية .
لكنهم وهم يطوفون العواصم محاولين إنكار علاقتهم بالعنف واحتجاز الحريات وملاحقة النخب من كتاب وصحفيين وتهديد حيواتهم ليسقطوا في اختبارات الصدق، فلا يمكن للعالم أن يصدق أن المطلوبين الدوليين وبقايا الإرهابيين في بنغازي ودرنه واجدابيا والإرهابيين المهاجرين سيبنون دولة مدنية .
العالم لا يعير اهتماما للتبريرات اللفظية بل يعبأ بما ترصده أقماره الصناعية ومصادره على الأرض .
حكومة ما تبقى من إسلاميين تعرف تماما أنها تحاول أن تنقذ نفسها لتبقى تمارس شرها، وتصعد على أشلاء ودماء الشباب المدني المغرر بهم في محاور القتال بعد أن تمكنوا من فصل مدن عن محيطها وألجموا كل صوت مخالف بالقوة والتهديد والملاحقة والتهييج والتخوين .
المقالة تعود لناشط سياسي ليبي معروف شارك في ثورة فبراير طلب عدم الإفصاح عن اسمه