طريق ضيق إلى عمق الشمال (4)
ماتسو باشو
ترجمة: عمر أبو القاسم الككلي
محطة (10): شيراكاوا
بعد أيام عديدة من التطواف وحيدا، وصلت بوابة شيراكاوا الحدودية التي تحدد منفذ الدخول إلى المنطقة الشمالية. هنا كان ذهني قادرا، للمرة الأولى، على امتلاك توازن أكيد ورباطة، ولم يعد ضحية قلق دائم، وكان هذا هو الحال مع إحساسي المعتدل بانفصالي عن التفكير حول المسافر القديم الذي عبر هذه البوابة برغبة متقدة في الكتابة إلى موطنه. هذه البوابة واحدة من أكبر ثلاث بوابات تعد نقاط تفتيش، وقد عبرها شعراء عديدون وكل منهم ترك قصيدة من تأليفه. أنا نفسي سرت بين أشجارها الكثيفة الورافة وفي أذنيَّ صوت ريح الخريف القادم من بعيد وصورة خيام الخريف في عينيَّ. كان ثمة مئات وآلاف من أزهار أشجار الأونوهانا كاملة التفتح ذات بياض نقي على جانبي الطريق، إضافة إلى أزهار العليق ذات البياض المماثل، ما يجعل الأرض تبدو، في لمحة، مغطاة بثلج مبكر. وحسب سجلات كايوسوك، يقال إن القدماء كانوا يعبرون البوابة مرتدين أفضل ملابسهم.
مزينا شعري
بأزهار الأونوهانا البيضاء،
سرت عبر البوابة،
مرتديا لباسي الوحيد المعد لمهرجان غالا.
(كتبها سورا)
محطة (11): سوكاغاوا
شاقاً طريقي نحو الشمال، عبرت نهر أبوكيوما وسرت بين جبال آزو على اليسار وقرى آيواكي وسوما وميهارو على اليمين، التي فصلت عن قرى منطقتي هيتاتشي وشيموتسوك بصف من الجبال المنخفضة. توقفت عند بركة الظل، التي سميت هكذا لأنه قيل أنها تعكس الظل الفعلي لأي جسم يقترب من شاطئها. كان يوما غائما، ولم يكن ثمة سوى السماء الرمادية منعكسة في البركة. سألت عن الشاعر توكايو في بريد بلدة سوكاغوا وأمضيت بضعة أيام في بيته. سألني كيف اجتزت بوابة شيراكاوا. كان عليَّ أن أخبره بأنني لم أتمكن من كتابة عدد القصائد الذي وددت كتابته، جزئيا لأنني كنت مستغرقا في تأمل عجائب الريف المحيط بي وتذكر الشعراء القدامى. لقد كان محزنا أن أعبر بوابة شيراكاوا دون أن أكتب حتى قصيدة واحدة جديرة بالذكر. لذا كتبت:
أول مغامرة شعرية
صادفتها –
أغنيات زراعة الأُرز
في الشمال القصي.
مستخدمَين هذه القصيدة كنقطة انطلاق أنجزنا ثلاثة كتب من الشعر المتصل.
كانت توجد شجرة كستناء هائلة قرب مكتب بريد هذه البلدة، وراهب يعيش في معتزل في ظلها. حين وقفت هناك أمام الشجرة شعرت كما لو أنني كنت في وسط جبال خفيضة حيث قطف الشاعر سايجيو اللوز. تناولت ورقة من خرجي وكتبت التالي: “الكستناء شجرة مقدسة، لأن الكتابة الرمزية الصينية للكستناء هو: شجرة وضعت مباشرة تحت الغرب، وهو اتجاه الأرض المقدسة. وقيل أن الراهب جيوكي استخدمها لعكازه والعمود الرئيسي في بيته”.
الكستناء المجاورة للشرفة
في ازدهارها المهيب
يمر بها رجال فانون
دون أن يلحظوها.
محطة (12): أساكا
عابرا بلدة هايوادا، التي تبعد حوالي خمسة أميال من بيت الشاعر توكيو، وصلت تلال أساكا الشهيرة. التلال لا تبعد كثيرا عن الطريق الرئيسي وتنتشر فوقها برك عديدة. كان هذا موسم نوع معين من السوسن يسمى كاتسومي. لذا ذهبت للبحث عنه. انتقلت من بركة إلى بركة، سائلا كل شخص أقابله أين يمكنني أن أجد هذا النوع، ولكن، ويا للغرابة، لم يسمع به أحد. غربت الشمس دون أن ألقي ولو نظرة خاطفة على زهرة منها. اتجهت يمينا إلى نيهونماتسو، زرت كهف كوروزوكا العتيق في عجلة، وقضيت ليلتي في فوكوشيما.
محطة (13): شينوبو
اليوم التالي يممت وجهتي نحو قرية شينوبو لأرى صخرة يصبغون على سطحها الملون نوعا من الثياب يسمى شينوبوزاري. وجدت الصخرة وسط قرية صغيرة ونصفها مدفون تحت الأرض. وحسب الطفل الذي عين نفسه دليلا لي، هذه الصخرة كانت في فترة فوق قمة الجبل، إلا أن الزوار الذين يأتون لرؤيتها ألحقوا ضررا كبيرا بالمحاصيل ما جعل المزارعين يمتعضون من ذلك فدفعوها إلى أسفل الوادي حيث تستقر الآن ووجهها الملون يتجه إلى تحت. رأيت أنه ثمة في القصة ما يمكن تصديقه.
أيدي الفتيات المستغرقة
بزراعة الأُرز،
تُذكر على نحو ما
بتقليد الصباغة القديم.
محطة (14): ساتوشوجي
صعدت عبارة عند مون هالو، فوصلت محطة بريد البلدة في رابد هِد. كانت أطلال بيت المحارب الباسل ساتو تبعد حوالي ميل ونصف من هذه المحطة باتجاه قدم الجبل على اليسار. شققت طريقي باتجاه قرية ليزوكا، فوجدت تلا يدعى مارويياما في براح سبانو. كان هذا موقع بيت المحارب. غالبني البكاء حين رأيت أطلال البوابة الأمامية عند أسفل التل. ثمة معبد متوحد في الجوار وقبور عائلة ساتو ما زالت منتصبة في المقبرة. بكيت بمرارة أمام شاهدي قبرين تخصان زوجتيه الشابتين متذكرا كيف أنهما كستا جسديهما الهزيلين بالدروع أثر موت زوجهما. في الواقع شعرت كما لو أنني كنت أمام مبكى شواهد القبور في الصين. دخلت المعبد لأتناول شايا. من بين كنوز المعبد سيف يوشيتاسون وحقيبة كانت تخص الوفي بنكي، يحملها على ظهره.
بفخر يُعرض
برايات خفاقة
سيف وخرج
في مهرجان مايو.