طائرات إسرائيلية في الأجواء الليبية
سالم العوكلي
حين تناهى إلى سمعي خبر إسقاط طائرات إسرائيلية مسيرة ذاتيا تابعة لحكومة الوفاق في ضواحي طرابلس، وحين شاهدت هذا الخبر على بعض صفحات الفيس بوك لم أعره اهتماما، واعتبرته جزءا من مبالغات الحرب الإعلامية التقليدية، غير أن ظهور الخبر المنقول عن صحيفة جيروشاليم بوست الإسرائيلية في قنوات إخبارية عالمية؛ أثق إلى حد كبير في مصداقيتها، جعلني أمام صدمة كبيرة وإن هدأت مع الوقت حين فكرت في طبيعة المتحكمين في رئاسة المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق، من جماعات تؤكد العديد من الأدلة أو التحليلات المختصة طبيعتهم المستعدة للتحالف مع الشيطان من أجل البقاء في السلطة أو الوصول إليها.
وهي جماعات ليست مفصولة عن داعش أو النصرة اللتين كانتا تحاربان الجيش السوري وتعالجان جرحاهما في إسرائيل، بل حتى منظمة القبعات البيضاء لم تجد مخرجا من سوريا حين ضُيّق عليها سوى إسرائيل لتعبر إلى ملاذاتها الآمنة .
نظرية المؤامرة تضع إسرائيل خلف كل كوارث المنطقة، ورغم المغالاة أحيانا إلا أن الأمر لا يخلو، ويحال إلى العداء التاريخي بين الكيان الصهيوني ومحيطه العربي (الشعبي خصوصا)، وإلى طبيعة استراتيجيات هذا الكيان الذي وثقته عدة كتب والكثير من التسريبات الاستخباراتية، والآن نرى إستراتيجية إسرائيل الجديدة في الحرب الذكية التي تستخدم فيها التقنية دون العنصر البشري الذي يشكل موته أو أسره مشكلة كبيرة لها، فطائراتها المسيرة تتسكع في أجواء سوريا والعراق ولبنان، ولكن ماذا تفعل الطائرات الإسرائيلية في ليبيا؟ وكيف وصلت إلى أجوائنا؟ والإجابة عن ماذا؟ تنطلق من كون إسرائيل تُعتبر أهم منتج لهذه الطائرات المسيرة ولتقنيات الجوسسة المتقدمة، أما كيف؟ فيبدو أن ثمة جسوراً تمر بها هذه الطائرات كما في اليمن وليبيا البعيدتين عن إسرائيل، وفي الحالة الليبية فأن الجسر هو تركيا أردوغان والنظام الإخواني وما يتبعه من عملاء وميليشيات تدور في نفس الفلك. حقيقة لم أُصدق حتى شاهدت الخبر على شريط أخبار السي سي إن والبي بي سي الإنجليزية، إضافة لبعض القنوات أو الصحف أو المواقع التي أوردته تفصيلا:
عن موقع قناة RT الروسية 7 أغسطس 2019 :
“نشرت صحيفة “جيروزاليم بوست” تقريرا أشارت فيه إلى حصول حكومة الوفاق الليبية على ثلاث طائرات مسيرة إسرائيلية الصنع، أسقطت قوات “الجيش الليبي” اثنتين منها. وتساءلت الصحيفة عن كيفية وصول هذه الطائرات إلى ليبيا في عنوان التقرير بالقول “إسقاط طائرات إسرائيلية مسيرة في ليبيا.. كيف وصلت إلى هناك؟” وأكدت الصحيفة أنه “وفقا لتقارير، فإن الطائرتين المسيرتين كانتا جزءا من منحة مكونة من ثلاث وحدات أعطتها تركيا لحكومة الوفاق المعترف بها دوليا، والتي تقاتل من أجل منع قوات حفتر من السيطرة.”.
عن موقع أخبار ليبيا 8 أغسطس 2019 :
“كشفت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، اليوم الخميس، عن حصول حكومة الوفاق على ثلاث طائرات مسيرة إسرائيلية الصنع. وذكرت الصحيفة أن حكومة الوفاق حصلت على ثلاث طائرات من نوع “Orbiter 3 UAV” التكتيكية، وهي من إنتاج شركة “Aeronautics” الإسرائيلية. وأكدت الصحيفة أن الطائرات عبارة عن منحة من تركيا لحكومة الوفاق التي تدعم الميليشيات الإرهابية في طرابلس. وجاء عنوان التقرير: “إسقاط طائرات إسرائيلية مسيرة في ليبيا.. كيف وصلت إلى هناك؟”. ولفتت الصحيفة إلى قوات الجيش أسقطت اثنتين من هذه الطائرات، مشيرة إلى أن الطائرات بها نظام مدمج خفيف الوزن لاستخدامه من قبل مسؤولي الأمن العسكري والأمن الداخلي. وأوضحت الصحيفة أن الطائرة تمتاز بنطاق تشغيل يصل إلى 150 كم، ويمكن أن تبقى مدة تصل إلى سبع ساعات بالجو في مهام الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع. ونقلت الصحيفة عن شركة “Aeronautics” الإسرائيلية المصنعة لـ “Orbiter-3” عدم علمها بحادثة إسقاط نسختين من طائرتها في ليبيا.”.
تورد صحيفة المتوسط 8 أغسطس 2019 ، الخبر نفسه مضيفة إليه “الجيش الليبي يسقط طائرات إسرائيلية الصنع قدمتها تركيا إلى الوفاق.”.
عن الاتحاد برس: 9 أغسطس 2019 :
“أسقطت قوات الجيش الوطني الليبي طائرات مسيرة صناعة إسرائيلية، تستخدمها تشكيلات الوفاق، وتحقق السلطات الإسرائيلية في كيفية وصول هذه الطائرات إلى ليبيا. إذ نشرت صحيفة جيروزاليم بوست تقريرا أشارت فيه إلى حصول حكومة الوفاق الليبية على 3 طائرات مسيرة إسرائيلية الصنع، أسقط الجيش الليبي2 منها. وكشفت الصحيفة الإسرائيلية أن الطائرتين المسيرتين كانتا جزءا من منحة مكونة من 3 وحدات قدمتها تركيا لحكومة الوفاق، موضحة أن الطائرة “Orbiter 3 UAV” التكتيكية، من صنع شركة “Aeronautics” الإسرائيلية، وفيها نظام مدمج خفيف الوزن لاستخدامه من قبل مسؤولي الأمن العسكري والأمن الداخلي. وكان المكتب الإعلامي للجيش الوطني الليبي، أعلن عن إسقاط طائرة مسيرة في سماء طريق المطار بالعاصمة طرابلس، مضيفا أن تركيا قدمت الطائرة إلى تشكيلات الوفاق لضرب الجيش الليبي، الذي يؤكد دعم تركيا وقطر لتشكيلات الوفاق والميليشيات الإرهابية الموالية لها. كما تورد جريدة البوابة 8 أغسطس 2019، الخبر نفسه مضيفة إليه “تم إسقاط الطائرتين في نهاية يوليو الماضي، وانتشل أحداهما على بعد حوالى 40 كم جنوب غرب العاصمة الليبية طرابلس في بلدة العزيزية الصغيرة، في حين تم العثور على الأخرى في منطقة سدرة، موطن أكبر مستودع للنفط في الدولة التي مزقتها الحرب. وتدور بالعاصمة الليبية طرابلس ومحيطها، منذ الرابع من أبريل الماضي، معارك متواصلة بين قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وميليشيات إرهابية تابعة لحكومة الوفاق، برئاسة فائز السراج.”.
ولمزيد من التأكيد تواصلت مع صديقة صحفية في القدس بخصوص الخبر المشار إليه في الجريدة الإسرائيلية وبعد بضعة ساعات كان ردها يؤكد على صحة الخبر وترجمته من العبرية كما نشر في الوسائل السابقة، مضيفة استغرابها من استغرابي قائلة “لماذا تستغرب، نحن هنا نعرف أن اردوجان؛ رغم (الشو) الذي يتاجر بقضيتنا، أنه الحليف الثاني لإسرائيل بعد ترامب، وأن بعض الطيارين الإسرائيليين الذين يقصفون أخواننا في غزة تلقوا تدريباتهم في تركيا. وأرسلت لي رابط هذا التقرير الطويل عن صحيفة العين الإخبارية الذي يوضح العلاقة التاريخية بين تركيا وإسرائيل، استعين بفقرات منه بحكم المساحة المتاحة:
“فتركيا التي تُعد ثاني دولة بعد الولايات المتحدة تحتضن أكبر مصانع أسلحة للجيش الإسرائيلي، زادت التعاون العسكري مع إسرائيل منذ الاحتلال التركي لشمال جزيرة قبرص عام 1978، والذي أدى إلى عقوبات أمريكية أوروبية على قطاعها العسكري واعتمدت أنقرة آنذاك على الجانب الإسرائيلي في تحديث الجيش التركي.
وظلت الاتفاقيات العسكرية التي بدأت بـتحديث (F – 4) فانتوم تركيا وطائرات (F – 5) بتكلفة 900 مليون دولار، مرورا بترقية إسرائيل لـ170 من دبابات M60A1 لتركيا مقابل 500 مليون دولار، قائمة، وصولاً للاتفاق الذي يقضي بتبادل الطيارين العسكريين بين البلدين 8 مرات في السنة.هذا الاتفاق الذي يعمل على تدريب وصقل قدرات الطيارين الإسرائيليين ليصوبوا على رؤوس الفلسطينيين بدقة، في تناقض مربك لموقف الرئيس التركي وحزبه تجاه القضية الفلسطينية.
أردوغان الذي طالما اكتفى بالصياح في دعم الفلسطينيين لا يتوانى كذلك عن تعميق هوة الانقسام في صفوفهم عبر الدعم المستمر لحركة “حماس”، وتجاهل التعامل مع السلطة الفلسطينية، إلى جانب تعزيز التبادل التجاري والعسكري مع عدوهم الذي يحتل أرضهم.
ولا تنفصل عن لعب أردوغان بالقضية الفلسطينية والتي وصفها وزير الاستخبارات والمواصلات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في حديثه لصحيفة “معاريف” العبرية في سبتمبر الماضي بـ”فريمني” أي الصديق العدو، عن طموحه بالسيطرة على المنطقة العربية على أجنحة تنظيمات الإسلام السياسي المنبوذة. فالوزير الإسرائيلي يشير إلى أنهم لا يأبهون لعنتريات أردوغان ضدهم خلال وسائل الإعلام، طالما أنها لا تمنعه من جعل حجم التجارة عبر حيفا نحو 25% من تجارة تركيا مع دول الخليج العربي. ويشير إلى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تتعايش مع أردوغان، بالرغم من مسرحياته، وهي تعي أنه يعتبر نفسه قائد الإخوان المسلمين بالعالم ويحاول أن يقود العالم الإسلامي.
كل هذه الأمور لم تمثل عائقا أمام وصول التبادل التجاري بين تل أبيب وأنقرة إلى مبالغ كبيرة وخيالية، بل على العكس، فإن شركات الطيران التركية تعد أكبر ناقل الجوي من وإلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، كما أن حجم التبادل التجاري ونقل البضائع عبر حيفا ازداد كثيرًا حتى قبل عودة العلاقات بعد أزمة السفينة مرمرة.
وتعتبر إسرائيل واحدة من أهم 5 أسواق تسوّق فيها تركيا بضائعها، حيث بلغت المبادلات التجارية بين البلدين في العام 2016 أكثر من 4.2 مليار دولار لترتفع بنسبة 14% في العام 2017. ووصل التبادل التجاري بين إسرائيل وتركيا إلى 3.9 مليار دولار سنويا، حيث يقول المسؤولون الإسرائيليون والأتراك إنهم يطمحون لرفعه إلى 10 مليارات دولار في غضون السنوات الخمس المقبلة”.
هذه العلاقة التي تشبه التحالف بين دولتين تجعلنا لا نستغرب وصول الطائرات الإسرائيلية إلى الميليشيات المقاتلة في طرابلس وضواحيها تحت راية الإخوان المسلمين الليبيين، كما أن هذه الإستراتيجية الإسرائيلية الجديدة تنبئ بحروب قادمة ومختلفة مع هذا الكيان الذي حقق تقدما ملحوظا في توظيف الذكاء الصناعي في حروبه القادمة، وتشكل الطائرات المسيرة ذاتيا التي تتسكع في أجواء المنطقة؛ مباشرة أو عن طريق عملاء، بداية هذه الحقبة، وماذا سنفعل في مواجهة هذه الروبوتات الطائرة، فإسرائيل تملك طائرات بدون طيارين ونحن العرب نملك طيارين بدون طائرات.