صنع في ليبيا
بعد تأزم المشهد الليبي، وفشل الاتفاقات المحلية في بناء أساس وطني مشترك ينطلق منه لحلحلة تعقيدات الأزمة، ما أتاح الفرصة لتدويل القضية الليبية بشكل شبه تام، وتصبح ليبيا أرض نزاع دولي وسوق مقايضة بين المصالح الدولية ولا يحضر من ليبيا إلا أسما لا مضمون لها ولا مصلحة. وهنا من الضرورة الوطنية أن يسأل الليبيون أنفسهم بحثا عن إجابات شافية لا تبريرات عقيمة.
عندما نتحدث عن الليبيين، فإننا نتحدث عن المجتمع لا الدولة، نخاطب العرب والتبو والأمازيغ والتوارق، إلى فسيفساء ليبيا العظيمة، إلى القبائل والأفراد إلى الفقراء والأغنياء إلى المتعلمين وغير المتعلمين إلى الذكور والإناث إلى الشباب والشيب إلى أنصار فبراير وسبتمبر إلى كل من يحمل الجنسية الليبية وينتمي إليها، إلى كل من يحمل الوطن في داخله.
هنا أتوجه بالسؤال، ألم يحن الوقت المتأخر للنهوض من هذا السبات، ألم يحن الوقت للملمة الجراح والاتحاد نحو حماية هذا الكيان من الضياع والوقوف سويا جدارا منيعا أمام لعب العالم بنا؟
نسأل: هل تدويل القضية الليبية أمر حتمي أم أنه خيار ليبي، وهل تدويل القضية في صالح الليبيين أم أنه سيسرع من نهبها وتفتيتها؟
هل من الممكن سحب السيطرة في إدارة الأزمة من الدول الإقليمية والمجتمع الدولي وعودة خيوط الأزمة الليبية بيد المجتمع الليبي، أم أن الفرص قد ضيعها الليبيون ولا مجال أمامهم إلا تنفيذ ما يأمر به الغرب؟
هل هناك فائدة من النظر للوراء ومحاولة كل طرف الرمي بمسؤولية تعقيد الأزمة على الآخر، أم أن المجتمع الليبي سينظر إلى الأمام ويذهب قدما متحدا منطلقا من أساس المصلحة الوطنية ويصنع علاجه الخاص؟
ماذا يملك الليبيون لتحقيق الاستقرار والحفاظ على دولتهم وسيادتها ؟ وكيف يمكن تحقيق تجربتهم الناجحة عبر التوظيف الأمثل لكافة إمكاناتهم الوطنية؟
الأسئلة تطول وتزداد تعقيدا، ولكتها حتما ليست مستحيلة، تحتاج فقط لجهد جماعي للإجابة عنها وصياغة رؤية جامعة للحل، فعلى عاتق كل مواطن مسؤولية وهذه المسؤولية تفرض عليه الوعي الكامل لكل ما يحدث لهذا الوطن ومايحاك له من خطط دولية ضد مصلحته ومصالحه.
وحتى يحصل المجتمع على هذا الوعي، فالضرورة تتطلب استعدادا مجتمعيا لتحمل هذه المسؤولية التاريخية أمام أنفسهم والوطن والأجيال القادمة، ويبدأ بطرح الأسئلة بكل شجاعة ويبحث عن الإجابات الحقيقية والتي ستمثل في مجملها وعيا كافيا يساهم بشكل كبير في صنع مبادرات محلية بامتياز، تقود ليبيا إلى واقع ومستقبل أحسن، فوعي المجتمع هو من يصنع مبادرات محلية قوية، ترسم ملامح الحل الليبي الذي يتماهى مع ليبيا ويسمى باسمها “صنع في ليبيا”.