صراخ القنفذ
عمر أبو القاسم الككلي
القنفذ حيوان مثير للاهتمام. هو كائن بطيء الحركة. حتى أن ثمة مثلا مغاربيا يقول أن القنفذ أرسل ليذكي سكة الحراثة قبيل موسم الحرث، وأثناء عودته، بعد موسم الحصاد، تعثر في الطريق،فقال: قاتل الله العجلة!.
ويبدو أنه، بسبب بطئه هذا، طور سبيلا دفاعية متفردة، فقد كسا جسده بشوك واخز وحامٍ، وهذا الشوك ثابت يختلف عن شوك حيوان الشيهم (صيد الليل) الذي يطلقه كالسهام.وعند إحساسه بالخطر يتكور على نفسه بحيث لا يجد العدو المهاجم سوى كرة من الشوك. كما أنه الكائن الوحيد، تقريبا، القادر على التغلب على الأفاعي والثعابين، إذ يأتي الثعبانَ أو الأفعى من الخلف ويشرع في التهام الذيل، فلا يجد الثعبان أو الأفعى حيلة للدغ كرة الشوك الملتهمة. لكن يقال أن الحدأة تقبض عليه بين مخالبها وتحلق به عاليا ثم تطلقه على صخرة فيتحول إلى أشلاء.
كنت في السنوات السبع الأولى من عمري أعيش في منطقة ريفية توجد بها القنافذ، فكان يحدث أن يأتي أبي أو أخي الأكبر بقنفذ ويذبح لتصنع أمي من لحمه طبيخا لذيذا.
اللافت في الأمر هو الطريقة التي يجبر بها القنفذ على إخراج رأسه ومد رقبته كي يتيسر ذبحه. يقال أن ثمة من يلجأ إلى وضعه في إناء مملوء ماء، فيضطر إلى إظهار رقبته كي يمسك منها ويذبح. لكن أبي وأخي كانا يلجآن إلى طريقة مختلفة. إذ توضع عصا بشكل أفقي على منطقة الرقبة ويتم الضغط عليها بحيث تخرج رقبته من جرابها لا إراديا ويتم ذبحه.
ما كان صادما لمشاعري حينها أنه كان، أثناء هذه العملية، يصدر عويلا مثل عويل الرضيع الآدمي. كان الشعور الذي يولده في نفسي هذا الصراخ قاسيا وموجعا.
لم أفصح لأحد من أسرتي عن هذه الحالة الشعورية التي كانت تنتابني، لأنني كنت، الظاهر، أعتقد أنهم سيضحكون مني ولن يأخذ أحد منهم حالتي مأخذ الجد.
لذا كنت، حينما يحضرون قنفذا ويشرعون في إجراءات ذبحه، أبتعد عن المكان أقصى ما يمكن، كي لا أسمع صراخه الموجع المماثل لصراخ الرضيع المتوجع.