صحراء القيامة
منصور بوشناف
تصطف تماثيل عملاقة في صف واحد، تشخص بنظرها إلى السماء طلبا للرحمة، التماثيل العملاقة رغم ضخامتها تثير الشفقة، فهي بلا أرجل، أجساد ثقيلة بلا أرجل تمكنها من الهرب من الكارثة التي حلت بإيستر، “جزيرة القيامة”.
أسطورة جزيرة إيستر” أو “جزيرة القيامة” قد لا تربطها علاقة مباشرة بصحراء القيامة الليبية عدا “المصير” الذي ينتظر ليبيا إن واصل الليبيون مسيرتهم نحو العدم “الايستري”.
التاريخ الأسطورة يقول إن سكان جزيرة “إيستر” هي إحدى الجزر التابعة “لتشيلي” بأمريكا اللاتينية قاموا منذ أكثر من ألف عام بتحويل جزيرتهم الوافرة الخيرات والغنية الموارد إلى “صحراء قاحلة” وذلك عبر إفراطهم في استهلاك مواردها وتدمير غاباتها .
كان اصطياد أسماك القرش الكبيرة مصدر ثرائهم، لذا أفرطوا في ذلك من أجل ذهب أكثر ورفاه أكثر، من أجل ذلك تضخمت صناعة سفن وقوارب صيد أسماك القرش على نحو سرطاني وتحول شعب إيستر إلى صناع لصيد أسماك القرش فقط ولا شيء غير ذلك، صارت مصدر رفاههم الوحيد وتقلصت كل مناشطهم الاقتصادية الأخرى، وشكل ذلك قاعدة حضارتهم الأولى، تلك الحضارة التي ما زالت تماثيلها الضخمة تنتصب في صف واحد ناظرة للسماء متضرعة .
كان بإمكان ذلك الرفاه الوحيد المصدر أن ينتج تلك التماثيل الضخمة والمهيبة للوهلة الأولى، والمثيرة للشفقة أيضا لفقدانها الأرجل والقدرة على الحركة .
استهلكت صناعة القوارب وسفن الصيد غابات جزيرة إيستر، ولم تتصحر الأرض فقط بل تصحر البحر وهجرته أسماك القرش، ليضمحل كل شيء في جزيرة إيستر وتشب الصراعات والحروب بين السكان من أجل الطعام بل وتصل الأسطورة إلى القول إن الإيستريين أكلوا لحوم موتاهم من أجل البقاء، ثم كان انتقام البحر منهم بالطوفان، ليغرق كل شيء ويموت الجميع، ولا يبقى سوى التماثيل العملاقة الكسيحة، تشخص إلى السماء طلبا للرحمة .
الكاتب الليبي صادق النيهوم كتب في سبعينيات القرن الماضي “أمثولة” ليبية في كتابه “من قصص الأطفال” عن “جالو” التي كانت حسب ما يقول على شاطئ المتوسط، فخليج سرت كان يذهب عميقا في ليبيا ويجعل من “جالو” مدينة ساحلية بها ميناء ضخم وتسقط عليها الأمطار بغزارة طوال العام وتزدهر مزارعها وحدائقها وتعلو قصورها وتتزين دورها بأجمل الحدائق، ولكن رغم كل ذلك يضربها “الطوفان” ليس طوفان البحر وإنما طوفان “القبلي” والصحراء .
طوفان جزيرة القيامة كان نتيجة قطع الأشجار وكذلك كان طوفان جالو كما يصور النيهوم، فسلطان جالو وبعد كوابيس تهاجمه كلما حاول النوم لسنوات كانت تنذره بطوفان جالو، اتخذ قرارا بمشورة منجم دجال بقطع أشجار جالو وصناعة سفن نجاة بها، ليبدأ طوفان قطع الأشجار من أجل صناعة سفن الإنقاذ، ولكن وما إن ينتهي من قطع الأشجار حتى يهاجم جالو طوفان الرمل، لتغرق السلطنة والسلطان والشعب ويغرق البحر وسفن الإنقاذ ويبتلع الرمل كل شيء .
ما يقوله النيهوم عبر هذه “الأمثولة” إن السلطان الأخرق صنع الطوفان بقراره الأكثر حمقا في تاريخ جالو .
ولكن إيستر نهضت من موتها ولذا أسموها “جزيرة القيامة” وتماثيلها الضخمة والشاخصة إلى السماء ما زالت تنتصب وتبهر المؤرخين والسواح وعلماء الجيولوجيا ويقول بعض المؤرخين إن قادمين جدد وصلوا إلى إيستر بعد الكارثة وعمروها من جديد وكذا “جالو” نهضت من جديد لأن رجلا أحضر بعد الطوفان فسائل نخل وزرعها لتعود جالو للحياة من جديد .
ليبيا، هذه الصحراء المترامية الأطراف والغنية بمواردها الطبيعية ومساحتها الشاسعة، تعيش الآن طوفان إيستر، ويتقاتل أبناؤها من أجل تلك الخيرات والموارد وبدأت عواصف الطوفان الأولى تهب عليها منذرة بالطوفان الأكبر الذي لن يترك وراءه إلا بعض الجبال الجرداء والرمل، ربما ليعمرها بعد زمن قوم يأتونها من مكان آخر أو ربما يأتي أحدهم من “جالو” بفسائل النخل ويعيد التجربة لتقوم الصحراء الليبية من جديد .
الواحات الليبية عاشت تجربة “جالو” و”إيستر” مرات كثيرة في تاريخها وظلت تنهض من جديد بفسائل النخل، فسائل الحياة والبعث من العدم والرمل، فهل يتعلم الليبيون من تجارب تاريخهم في الكوارث والنكبات والحروب والنهب وقطع الطرق ليزرعوا فسائل الحياة، فسائل قيامة ليبيا.