شمس على نوافذ “سوق النخاسة” في ليبيا!
أكتظ المشهد في ليبيا، بالمتناقضات التي ربما لن تجدها في مكان آخر، إلا في ليبيا، وما زاد “الطين بلّة”، أن هذه المتناقضات تتنافس على الظهور وكأنها تقول لليبيين: هذه بلدكم، لا بلد الجيران!
وأكثرها إثارة للصدمة “الحضارية” ما كشفته قناة السي إن إن، في تحقيق أجرته يفضح “قُبحا” ظلّ طي الكتمان، تمثّل في سوق للنخاسة في إحدى المدن الليبية، يعرض مهاجرين أفارقة لأجل بيعهم.. نعم بيعهم بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولم يقتصر السوق على هذا الفعل، بل تجاوز “جريمته” لتصل إلى أن يعرض أسعار هؤلاء الذين خانتهم الظروف ووجدوا أنفسهم رهن الاعتقال لدى الجماعات المسلحة. ويُظهر مقطع الفيديو الذي تم تصويره بواسطة كاميرا سرية، “الدلال” يقول بصوت واثق: “900 … 1000… 1100 …” ليكتمل المشهد “المأساوي” لضحايا “المافيات” وتنتهي الكارثة في إحدى المزارع أو بيوت أمراء الحرب والخراب في ليبيا، لأجل أن يُثبتوا لأنفسهم أنهم ليسوا من العالم الذي يعيشه البشر في الألفية الثانية، بل في عصور ” جاهلية” تليق بفكرهم وبعقولهم “المُظلمة”.
وقد يقول أحد الليبيين، إن ما حدث لا يُمثّل كل ليبيا، وهذا صحيح، ولكن في المقابل يُمثّل الحكومات ومجلس النواب والمجلس الرئاسي على وجه الخصوص، قبل الجهات الحقوقية، غير الرسمية، والتي بعضها تعمل بإمكانيات بسيطة، وتحاول أن تكشف بعضا من الذي مايزال في أدراج المكاتب المغلقة، التي لا يصلها أحد غير أصحابها، المتمثلين في “المافيات” الجديدة.
ومن جانب، أممي، لم تصدر البعثة الأممية في ليبيا، أي بيانات أو استنكار حول الحادثة حتى الآن، وربما يأتي تأخرها في متابعة هذا الملف “الخطير” لكونها ما تزال مشغولة بخطة المبعوث الخاص غسان سلامة للحل في ليبيا، ورُبّما أيضا يكون تأخرها، بسبب مشاورات تجريها أو لقاءات أخرى تخصّ الحوار وتعديل الاتفاق السياسي.
وفي جولة سريعة على صفحات البعثة الأممية على مواقع التواصل، لهذا اليوم 15 نوفمبر، نجد أنها قد نشرت بعضا من نشاطاتها اليومية والأسبوعية، ومن بينها “منظمة الصحة العالمية تنظم ورشة عمل لتحليل الوضع في قطاع المستحضرات الصيدلانية في ليبيا” وخبر لها أيضا في ذات اليوم: “إن تعزيز الحوار بين الثقافات هو في جوهر العقد الدولي للتقارب بين الثقافات. المزيد من اليونسكو هنا “، وهذا الخبر على وجه التحديد، يوضّح المفارقة بين “العصر الجاهلي” في ليبيا وبين “تعزيز الثقافات”. وهُنا انتهت الجولة الأممية، ولا حديث عن “الأفارقة” و”أمراء القتل والفوضى”.
أما الآن سنعرّج على صفحات المجلس الرئاسي، الذي سنكتشف فيه أنه لم يصدر أي بيان حول هذه الكارثة التي لرُبما تصبح “علنية” في ظل انقسام حاد في ليبيا، وكان آخر بيان لها، حول استنكارها القرار الذي أصدرته الحكومة المؤقتة، والذي يفضي إلى معاقبة أي مسؤول من المنطقة الشرقية يتواصل مع حكومة الوفاق. الذي نشرته قبل تسع عشرة ساعة من كتابة هذا التقرير.
وحتى نُكمل الصورة، كان آخر حدث اهتم به مجلس النواب على موقعه الإلكتروني، هذا الخبر: “كتلة السيادة الوطنية بمجلس النواب تعقد اجتماعاً هاماً.” وهُنا اكتملت الجولة على “الجهات الرسمية” ولا خبر أو تعليق لها حول “سوق النخاسة”.
وبالعودة إلى المتناقضات التي تعتبر إنجازات تُحسب للحكومات، والجهات السيادية، ما يزال تصريح محافظ مصرف ليبيا المركزي، في المؤتمر الصحفي، أو الذي قِيل إنه “مؤتمر صحفي”، كشف فيه المحافظ عن أموال ليبيا، وعن عجز تراكمي وصل 200% من الناتج القومي، وأن حجم الخسائر التي تكبدتها ليبيا جراء الإقفال للمؤسسات النفطية وصل 160 مليار دولار، في الوقت الذي كانت الطوابير في ليبيا تنتظر “فرجا” قريبا للأزمة، أو البحث عن حلول حقيقية لا الاعتراف “غير المعلن” بأن من على رأس أهمّ مؤسسة ليبية، فشل في إدارة الأزمة، ولم يُعلن “استقالته”.. أو يعتذر.