شمس على عيون مغمضة
عمر أبو القاسم الككلي
عن مؤسسة أريتي للثقافة والفنون ودارف للنشر، وبالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني، صدر منذ بضعة أشهر كتاب “شمس على نوافذ مغلقة، مختارات من أعمال الأدباء الليبيين الشباب”* قام بتحريره خالد المطاوع وليلى نعيم المغربي.
ضم الكتاب أعمالا لخمسة وعشرين كاتبا وكاتبة (أربعة عشر كاتبا وإحدى عشرة كاتبة) توزعت بين الشعر والقصة وجزء من رواية، واتسمت جميعها بالنضج، وإن تفاوتت مستوياته.
وهو كتاب يعد الأول من نوعه في تاريخ الحركة الثقافية الوطنية الليبية، كما أنه كتاب بالغ الأهمية لجهة قيمته الأدبية وهدفه. ذلك أنه، كما أشار المحرران في تقديمهما، يلفت الانتباه إلى جيل “جديد من الكتاب والاحتفاء بإنجازهم بتوفير منبر تصدر منه أصواتهم لأكبر عدد من القراء وللإعلان عن مكونات جيل جديد من الأدب الليبي” (9). وكما يلاحظ المحرران بحق، فإن هؤلاء الأدباء الشباب يصرون “على رغبتهم في التنوع ونبذ العنف وحيرة التعبير وقبول الآخر” (ص 10)، ويلاحظان أيضا أن “الكتاب الشباب هنا يعبرون عن قلقهم العميق نحو تفتيت الوطن الذي استثمروا فيه آمالهم، فتوجهاتهم تنحو لمزيد من الاندماج والانفتاح على ثقافات العالم ومعارفه المتعددة والاعتزاز بخصوصيتهم ضمن هذا التنوع” (ص 10-11).
في المقدمة التي وضعتها للكتاب تقول الدكتورة فريدة المصري: “في خطوة غير مسبوقة تقدم لنا هذه الأنثولوجية، أو مختارات ‘‘شمس على نوافذ مغلقة‘‘ نصوصا غير اعتيادية، لا يحدها سقف، مختلفة الأجناس لشباب في أعمار طرية العود. لكن نصوصهم جذورها عميقة تصطاد كلماتها من الماء العذب الصافي، تنبعث منها روائح متفاوتة تتقارب لتكون عطرا دافقا بمحبة الوطن” (ص 14).
أحمد الفيتوري يصف في دراسته المدرجة في الكتاب النصوص الواردة فيه بأنه يجمعها، على ما بينها من تباين “مشترك عام أنها كتابة متميزة وإن اختلفت في الدرجة” (ص 42) ويميزها أنها “كتبت في زمن الثورة والحرب الأهلية الناتجة عنها، وهي حرب مدن وشوارع وقودها جيل الكتاب من أخوتهم وجيرانهم وزملائهم واصدقائهم وأحبتهم، لذا تهجس بالفجيعة في وقت القتل المجان والصدفة والعبث” (44-45).
لكن قوى العداء الأعمى لحرية الفكر والإبداع الأدبي والفني لم ترَ، بالطبع، شيئا من هذا. أو ربما، تحديدا، لأنها رأت كل هذا واستشعرت ما يشكله هذا الانفتاح والتحرر والانطلاق على مكانتها وسلطتها الاجتماعية وأهدافها السياسية من خطر، عمدت إلى استلال نص معين من نصوص الكتاب وردت فيه عبارات وأوصاف شائعة في الشارع الليبي ويعرفها ويتداولها حتى الأطفال في مرحلة ما من أعمارهم، لكنها تعتبر من وجهة نظر الواجهة الاجتماعية منافية للحياء العام، وشنت، بناء على هذا الانتقاء حملة ضارية، يبدو أنها مدبرة ومنظمة، على الكتاب برمته وعلى المسهمين فيه كافة وناشريه والذين دافعوا عنه، في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، بدعوى أنهم يسهمون في نشر الرذيلة. وبعض جنود هذه الحملة يستخدمون، في وسائل التواصل الاجتماعي على الانترنت، عبارات مماثلة، أو أقوى، من العبارات محل الاحتجاج. الأمر الذي أدى ببعض الجهات إلى ركوب موجة العداء للكتاب فقامت بالتحقيق مع بعض المسهمين فيه وأصدرت جهات أخرى بيانات إدانة للكتاب، كما امتد الأمر إلى القيام بإغلاق مؤسسات ثقافية مهمة، منها ما هو عريق، بسبب اسضافتها حفلات توقيع الكتاب.
خالد المطاوع وليلى نعيم المغربي (محرران)، شمس على نوافذ مغلقة: مختارات من أعمال الادباء الليبيين الشباب. مؤسسة أريتي للثقافة والفنون و دارف للنشر. 2017. والصفحات الواردة في متن المقال تحيل إلى هذه الطبعة.