«سي آي إيه» تدخل منطقة خطيرة
ديفيد اغناتيوس
إن كان للأشباح التي تسكن جدران وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أن تتحدث، فسوف تقول للمدير مايك بومبيو أن يتوخى الحذر. فالوكالة الكبيرة قاب قوسين أو أدنى من دخول منطقة خطيرة يريد البيت الأبيض، الذي تقلقله الاضطرابات، أن تأخذ حيالها المزيد من التدابير العدائية في الخارج، غير أنه لم يضع حتى الآن الاستراتيجية الواضحة أو الدعم السياسي المطلوب لإسنادها أو المحافظة على استمرارها.
بومبيو من الرجال النشطين للغاية، وهو سياسي مندفع مع نزعة، وربما شغف، للمزاح الخفيف الخاطف. وهو يهوى الدخول في المخاطر، ويرغب للوكالة التي يديرها أن تكون أكثر صرامة من حيث جمع المعلومات واستخدام العمل السري ضد أهداف من شاكلة كوريا الشمالية وإيران. وكان هذا الموقف الصارم شديد الوضوح؛ إذ أعرب عنه في تصريحاته الأسبوع الماضي في منتدى معهد أسبن الأمني، وفي غير ذلك من التعليقات العلنية على مدى الشهور الستة الماضية.
ويواجه السيد بومبيو بعض المشكلات الكبيرة التي تعقّد جدول أعماله الحالي. وهو لن يتمكن من التعامل معها كلها في غياب قاعدة واسعة من الدعم الواسع من الحزبين الكبيرين في البلاد. وبخلاف ذلك، فهو على طريقه نحو الخندق نفسه الذي علقت فيها الوكالة على مدى العقود الماضية – من حيث إطلاق البرامج الجريئة (والمشكوك فيها في بعض الأحيان) والتي تنهار في خاتمة المطاف كالبالون المتسرب منه الهواء؛ مما يلحق الأضرار الكبيرة بالوكالة، وقوتها العاملة، وحلفائها في الخارج.
وفيما يلي خريطة طريق للمخاطر القائمة على طريق الوكالة: وهي مستمدة من محادثات مكثفة مع نحو ستة من قدامى الضباط المخضرمين في وكالة الاستخبارات الأميركية في الإدارات الجمهورية والديمقراطية على حد سواء:
* الاستخبارات اليوم أصبحت أكثر تسييساً، وربما بأكثر من أي وقت مضى في تاريخ البلاد. شبّه الرئيس ترمب، وبشكل مريع، العاملين في مجتمع الاستخبارات الأميركي بالنازيين، وعادة ما يصف تقديرات الاستخبارات المعنية بالتهديدات الروسية بأنها «أخبار ملفقة» أو «حملات للتشهير». وليس من المستغرب أن تجد كبار الضباط السابقين في الوكالة يقاومون هذه التوجهات، وفي خضم هذه العملية أصبحت وكالة الاستخبارات المركزية مثل كرة القدم بين الجانبين.
ولقد شارك جيمس أرز كلابر وجون برينان، المديران السابقان لوكالة الاستخبارات الوطنية والاستخبارات المركزية، على التوالي، في منتديات متعاقبة في معهد أسبن؛ إذ وصفا تصريحات الرئيس ترمب بالمسيئة والمهينة، وغير الملائمة على الإطلاق، وغير المشرفة كذلك. وإنهما على حق في ذلك. وتكمن المشكلة في أن الملايين من المواطنين الأميركيين الذين تداعب مخيلتهم دعاوى «الدولة العميقة» أصبحوا أكثر قناعة الآن بوجود مثل هذه المؤامرات عندما يستمعون لرؤساء أجهزة الاستخبارات السابقين وهم يهاجمون رئيس البلاد علانية.
* فشل إدارة الرئيس ترمب في اتخاذ القرارات الاستراتيجية الواضحة. تزدحم سياسات الرئيس ترمب حيال كل من سوريا، وروسيا، وإيران، والصين بالكثير من الأهداف المتضاربة والقضايا المعلقة من دون حلول حقيقية. وفي الأثناء ذاتها، يواصل الرئيس ممارسة الضغوط على الاستخبارات المركزية لطرح المزيد من الحلول والخيارات.
من الناحية التاريخية، هذه هي النقطة التي تشكل الورطة الأساسية لوكالة الاستخبارات المركزية. الرؤساء الذين يسعون وراء الانتصارات السريعة مع الافتقار الواضح للاستراتيجيات الدبلوماسية الممنهجة غالباً ما ينزعون إلى استخدام العمليات السرية الرامية إلى إسقاط الحكومات أو شن الحروب غير المعلنة. وعندما ترتد الحملات السرية بنتائج غير متوقعة مع تلاشي دعم الرأي العام لها، تقف وكالات الاستخبارات موقفاً لا تحسد عليه أبداً. والدرس المستفاد من ذلك: عندما يفشل صناع السياسات في معرفة ما يجب القيام به ويتحولون إلى العمليات السرية، ينبغي على وكالة الاستخبارات المركزية رفض الانصياع لتلك الأوامر.
كان ولع بومبيو بالعمل السري ظاهراً للغاية عبر تعليقاته في منتدى معهد أسبن. فمن ناحية كوريا الشمالية، دعا الرجل إلى فصل الإمكانات العسكرية للبلاد عن زعيمها الموتور كيم جونغ أون، وقال: «إن شعب كوريا الشمالية سوف يرغب في رحيل هذا الرجل كذلك»، رغم أنه خفف قليلاً من هذا التهديد المجرد الصارم بمزاحه حول حذر الولايات المتحدة مما يوجد خلف الباب رقم ثلاثة! ومن ناحية إيران، قال السيد بومبيو إنه يجب على الولايات المتحدة التوقف عن اتباع سياسة «الاسترضاء» و«العثور على منصة موحدة للوقوف في وجه التوسع الإيراني الكبير». وفي مواجهة قيادة الحرس الثوري الإيراني قال: «إننا نركز وبشدة على ضمان عدم حصولهم على الإمكانات والقوة التي يسعون وراءها».
* وأخيراً، والأهم من كل شيء، أن الإدارة الأميركية التي يخدم فيها السيد بومبيو واقعة في حالة من الفوضى. إذ يحاول الرئيس تشويه سمعة النائب العام الأميركي ودفعه إلى الاستقالة، وربما يخطط أيضاً إلى فصل المستشار الخاص روبرت مولر بعد ذلك. إن البلاد في حاجة ماسة إلى الثبات والاستقلال عن وكالة الاستخبارات المركزية. وينبغي على السيد بومبيو التفكير في الالتزامات المؤسساتية والدستورية، إلى جانب الالتزامات الرئاسية كذلك. فهو يعرف أين توجد دواسة السرعة، لكنه ينبغي عليه أيضاً أن يعرف مكان المكابح.
كان ريتشارد هيلمز، الذي يعد من أكثر مديري الاستخبارات الأميركية ألمعية وذكاءً، شديد الحذر من الانخراط في المناقشات السياسية العامة، حتى أنه قيل إنه أعفى نفسه من الإحاطات الإعلامية الرئاسية بعد تسليم تقارير الاستخبارات الواجبة. وكان الرئيس ليندون جونسون في بعض الأحيان ما يضغط عليه لأجل البقاء والإدلاء بآرائه وتعليقاته.
ويبدو أن بومبيو، عضو الكونغرس الأسبق الجريء، يملك غريزة مختلفة تماماً. فهو حاضر بصفة شبه يومية في البيت الأبيض، ويقال: إن إحاطاته الإعلامية مع الرئيس ترمب تنحرف ذهاباً وإياباً في بعض الأحيان بين مسائل الاستخبارات وقضايا السياسة. والرئيس يريد العمل، والسيد بومبيو يريد التنفيذ. وهذا الإغراء المتواصل من إمكانية الفعل والتنفيذ متأصل في العلاقة بين أي رئيس للبلاد وأي مدير لوكالة الاستخبارات المركزية، ولكن في هذه الحالة، ربما تكون مدعاة للمزيد من القلق.
إن السيد بومبيو يحمل طموحاً كبيراً وآيديولوجيا شديدة العاطفية حيال الاستخبارات المركزية كما رأينا في الكثير من المديرين السابقين لهذه الوكالة العريقة عبر عقود مضت. وعلى الجدار بالقرب من غرفة تناول الطعام خاصته في المبنى هناك صورة للمدير الأسبق السيد هيلمز مع نظرة تشكك وريبة في عينيه. وآمل أن يستغرق السيد بومبيو لحظة واحدة من وقته للتشاور مع سلفه.
* خدمة «واشنطن بوست»