سلطان الحرملك في غيبوبة
عصام جادالله
بعد سقوط الشرق الأوسط في فوضى سياسية منذُ قرابة عشر سنوات أصبحت تراود الطبقة الحاكمة في أنقرة أحلام بعودة الخلافة العثمانية بنسختها الأردوغانية مجدداً إلى الدول التي حكمها العثمانيين لعدة قرون وفي ظل حالة من التشتت والانقسام سادت تلك الدول كونت تيارات وأحزاب داخلها تتبع تيار “الإخوان المسلمين” ارتبطت بشكل مباشر أو غيرة مع النظام الحاكم في تركيا.
تحالفات مجملها مبنية على أطماع شخصية لمن مهدوا الطريق لدخول الأتراك لدولهم وتنفيذ مخططاتهم بالوكالة خاصة باستغلال الوضع الحاصل داخلياً سواء في سوريا وليبيا بحيث استطاعت الإدارة التركية عن طريق “عملائها” في البلدين من رسم خريطة طريق عودة لإحياء تراث الإمبراطورية العثمانية حالمة “بإسطنبول” جديدة عاصمة للخلافة “العثمانية” بنسختها الأردوغانية.
بالمجمل المطامع التركية لا تقتصر على بلد معين بل تصل الى حد الوطن العربي الكبير المتمزق في حروبه وصراعاته المذهبية والطائفية والجهوية, ولو تحدثنا بتفصيل أكثر عن ليبيا يبدو الأمر ليس بالهين واقعياً لتنفيذ ذلك المخطط ولكن المؤشرات الحالية تنذر بأن اسطنبول متجه نحو تنفيذ مشروعها, حيث بدأت بخلق فتنة اعتمدت فيها على ضرب المكون الليبي بعد إعلان “أردوغان” بأن في ليبيا يعيش أكثر من مليون ليبي من أصل تركي يجب حمايتهم حسب تعبيره, إضافة إلى اعتماده على أذرع محلية ميليشياوية لتحقيق مآربه في السيطرة ولو على أجزاء معينة من الأراضي الليبية من خلال اتفاقات وتعاونات رسمية تكون بوابة للدخول عبرها بطريقة شرعية إلى الساحة الليبية عسكريا.
ورغم أن ليبيا ما زالت تحت البند السابع من قرار الأمم المتحدة لعام 2011 فإنها اليوم أصبحت أمام أمر واقع بعد إقرار مجلس النواب التركي التدخل عسكريا فيها إذا ما طلبت حكومة الوفاق ذلك متحججة بأن “الوفاق” هي الحكومة المعترف بها دوليا، وأن الطرف الثاني أي الجيش الوطني الليبي “معتد وغير شرعي وبهذا تدخل المعترك العسكري بشكل مشرع لإيقاف تقدم الجيش الوطني الليبي الذي بات قريبا جدا من حسم معركة طرابلس التي سخر لها كل الإمكانات لتحريرها من قبضة المليشيات المسلحة المتخذة من الوفاق غطاء خلفيا لاستمرارها في البقاء مسيطرة على مفاصل الدولة حيث أمراء تلك المليشيات والجماعات التي تنضوي تحتها هم الحكام الحقيقيين للعاصمة.
حالياً طيب رجب أردوغان أو سلطان الحرملك في غيبوبة نشوة العظمة الوهمية بإعادة أمجاد تركيا العثمانية لم ينتبه بأن الليبيين عبر التاريخ عندما وجدت المواجهة استطاعوا مجابهتها والانتصار فيها.
فلن يسقط أو يسلم الجيش الوطني الليبي المدعوم شعبيا من مختلف مدن ومناطق البلاد ومن معظم المكونات الليبية, هذا الجيش لن يسقط أو يتراجع عن حماية بلاده من أطماع الترك في تقسيم البلاد وخلق فضاءات على الأرض تحت السيطرة التركية كما هو الحال في شمال سوريا، وفعليا بدأ الجيش الوطني بضرب تلك المخططات عندما أحبط مشروعا لإنشاء قاعدة عسكرية تركية كان قد مهدت المليشيات المسلحة الأرض لإقامتها بالتعاون مع حكومة الوفاق التي لم تعد على وفاق مع كافة الليبيين .
في الوقت الحالي لم تعد الأمور خفية فالطرف الأضعف في “معركة تحرير طرابلس” يتشبث بآخر طوق للنجاة عن طريق تنازلات تصل لحد بيع الوطن لأردوغان الذي كما قلنا لا يهمه استقرار ليبيا والحفاظ على أمن الليبيين بقدر اهتماماته التوسعية لعودة الإمبراطورية العثمانية الزائلة، رفقة أحلام أخرى حول النفط مرورا بالغاز وصولا إلى صفقات مالية كبيرة طمعا في الاستحواذ على عقود إعادة الأعمار، بالإضافة إلى إنشاء قواعد عسكرية تركية تكون بوابة لأفريقيا وتهديد دول الجوار خاصة مصر والجزائر, ولكن الجيش الوطني مدعوما بكل القبائل الليبية لن يترك أردوغان يطال طموحاته وسيستفيق فجأة على بكاء فساد الحلم العثماني في ليبيا.