سلطان الترك وقناع الديموقراطية
عبدالوهاب قرينقو
لم ينس العالم تلك الليلة في شوارع إسطنبول قبل سنوات ثلاث .. هلع في عيون أردوغان خوفاً على كرسيه وصولجانه وحملة اعتقالات هستيرية ترسم صورة مثالية لما ينبغي أن يكون عليه أحد أنظمة الحكم في دول العالم الثالث مهما ادعى حاكمها المثير للجدل سيره في ركب الديموقراطية.
في مثل هذا اليوم من عام 2016 كانت محاولة الانقلاب العسكري في تركيا -على يد مجموعة من الجيش –وقد باءت بالفشل بعد قيام مظاهرات مناوئة في إسطنبول وأنقرة وكبريات المدن التركية، استجابةً لنداء أطلقه أردوغان من مخبئه المؤقت عبر محادثة مرئية -عبر الفيس تايم ومنه إلى بث الــ CNN التركية – يستغيث بمريديه ومناصريه الإسلامويين لإنقاذه بدعوى إنقاذ ديموقراطية يعرف معارضوه كمية الخداع في تكريسها.
لم ينتظر العالم طويلاً ليتأكد من ذاك الخداع فلم يلبث السلطان العثماني الجديد أن أشهر الكرباج والخازوق بحملة اعتقالات ومداهمات غير مسبوقة، فسيق عشرات الآلاف من أبناء الشعب التركي في حافلات وشاحنات إلى معتقلات خلف الشمس .. ولم تستثن الحملة الشعواء أحداً من ضباط جيش والشرطة بل وحتى ضباط صف وجنود وشملت الحملة صحفيين ورجال أعمال ورجال قضاء ونشطاء مدنيين ومحامين وفنانين ورياضيين ومهندسين فلم تبق شريحة من المجتمع إلا وطالتها يد القمع فيما يشبه الانتقام والعقاب الجماعي الذي يتجاوز العدالة وروح القانون .
. . . منذ ذلك الانقلاب الذي أخفق في تصحيح المسار الديموقراطي التركي كما يرى مؤيدوه لم يتوقف نظام أردوغان كل موسم عن تجديد حملات تقييد الحريات بواسطة قوالب التهم الجاهزة بحجة المشاركة في الانقلاب رغم مضي ثلاثة أعوام .
اليوم يكشف النظام عن وجهه الحقيقي المنافي لقيم الديموقراطية حين يلغي نتائج انتخابات بلدية إسطنبول بحجة التزوير فتعاد حسب أوامر الباب العالي فينجح بها ثانيةً خصوم أردوغان السياسيون.
اليوم يحول أردوغان ذكرى الانقلاب إلى يوم مقدس بإعلانه عطلة رسمية ليُفرح الشعب قسراً ورسمياً بنجاته ويتعمد أن تتزامن الذكرى مع إنزال منظومة الدفاع الروسية S 400 في قاعدة مرتد العسكرية كتحدٍ واضح للولايات المتحدة الأميركية التي سبق أن اتهمها بدعم الانقلاب باستضافتها، لرجل الدين التركي المعارض فتح الله غولن وعدم تسليمه.
يتذكر الأتراك والعرب وكل العالم اليوم ذكرى الانقلاب ويتذكرون معه معاناة الكثير من الشعوب في ليبيا وسوريا وغيرها التي عانت وتعاني من تدخل أردوغان ونظامه في أزماتها وإزكاء نار حروبها التي يشعلها كلما اقتربت من سلام ولاح وفاق.