“سان لو”.. الساعد الكاريبي الذي سند ظهر الليبيين
خاص 218
أحلام المهدي
نسمع جميعا عن مهندسي الاستقلال الليبي مثل عمر فائق شنّيب وبشير السعداوي وراسم كعبار وعبد الرزاق شقلوف وغيرهم ممن ضمّهم الوفد الليبي الموحّد إلى الأمم المتحدة، لكن الكثيرين قد يجهلون اسم الرجل الذي كانت كلمته هي الفصل في كل هذا وهو “إيميل سان لو”، الصحفي والمحامي والسياسي الذي خالف الجميع بمن فيهم بلاده “هاييتي” وصوّت لصالح استقلال ليبيا وإسقاط مشروع الانتداب الذي كان يتربص بليبيا فيما عرف بمشروع “بيفن سفورزا” الذي اتفقت فيه إيطاليا وبريطانيا بالإضافة إلى فرنسا على تقسيم أقاليم البلاد الثلاثة بينها تحت نظام الوصاية الذي كان من المقرر أن يمتد لعشر سنوات.
لكن مشروع الانتداب سقط بقبضة هذا الرجل الذي خالف تعليمات بلاده، ولم يستجب للضغوط التي مارستها عليه الدول الاستعمارية الكبرى، لكنه ربما الماضي الذي عانت منه هاييتي تحت وطأة الاستعمار الإسباني ثم الفرنسي، ومعاناة أجداده الأفارقة من العبودية طويلا في “الأرض العالية”، هو ما جعل هذا الرجل ينحاز إلى إرادة الشعب الليبي التي نقلها الوفد الممثل لأقاليم البلاد الثلاثة، ليمهد صوت “سان لو” الطريق أمام قرار الاستقلال الذي تم بالإجماع في الرابع والعشرين من ديسمبر عام 1951.
وقد دفع أول مندوب لدولة هاييتي في الأمم المتحدة ثمنا باهظا لقراره هذا، ففقد وظيفته ومنصبه في المنظمة العالمية، لكن الملك الراحل “إدريس السنوسي” أصدر وقتها مرسوما ملكيا قضى بتعيينه مستشارا للسفارة الليبية في الولايات المتحدة الأميركية، ومنحه راتبا شهريا لبقية حياته تقديرا لموقفه، ومنحه أيضا وسام الشجاعة، وأطلق الليبيون اسم بلاده “هاييتي” على أحد شوارع العاصمة طرابلس لما يحمله الاسم من رمزية للدولة الليبية ولليبيين جميعا.
وفي العام “1957” زار سان لو المملكة الليبية وأقيم له وزوجته احتفال كبير، ومنحته الجامعة الليبية أول دكتوراه فخرية في تاريخها، ليتغير كل هذا بعد العام “1969”، ويبتعد هذا الرجل عن الذاكرة الليبية تماما كما ابتعدت ذكرى الاستقلال “كله على بعضه” بإرادة العقيد الذي لم يتبنّ إلا الأعياد الدائرة في فلك “ثورته”، ليحاول طمس الجميع فلا يبقى من ليبيا إلا صورته وصوته ليختزلا وطنا بأسره، وقد رحل سان لو عن عالمنا في 17 أغسطس “1976”، عن عمر “71” عاما بعد أن كان الساعد الكاريبي الأسمر الذي وضع إحدى أهم لبنات الوجود القانوني للدولة الليبية.