زواج دارون
ترجمة: عمر أبو القاسم الككلي
بعد أن عاد تشارلز دارون من رحلته التي استغرقت خمس سنوات، أخذ يفكر في الزواج، ليس من امرأة بعينها. في يونيو 1838 تناول ورقة وكتب أعلى الورقة “هذه هي القضية”. ثم قسمها إلى عمودين. كتب على رأس العمود الأول “تزوَجْ”. وكتب على رأس العمود الثاني “لا تتزوج”. بعدها أجرى موازنة بين الحجج المؤيدة للزواج وتلك الرافضة له.
كانت الحجج الداعمة للزواج متينة، وإن لم تكن رومانسية (إنجاب أطفال، إذا كان هذا يرضي الله)، وجود رفيق دائم (وصديق في الشيخوخة) يكون مهتما بالمرء – كائن يُحب ويُلعب معه، يعتبر أفضل من كلب. بيت يعتني به شخص ما. متعة الاستماع إلى الموسيقى والحديث مع أنثى. هذه الأشياء نافعة لصحة المرء.غير أنها مضيعة مقلقة للوقت.
إلا أن لحياة العزوبية محاسنها. “حرية أن يذهب المرء إلى أي مكان يرغب فيه. اختيار الاقتصاد في الرفقة الاجتماعية. الحديث مع رجال مشهورين في المقاهي. عدم الاضطرار إلى زيارة الأقارب، مجبرا نفسك على تقبل التوافه. كما أن للزواج سلبياته: نفقات الأطفال والانشغال بشؤونهم. وربما المشاحنات. ضياع الوقت. عدم القدرة على القراءة في الأماسي. البدانة والتبطل. السأم والمسؤولية. شح نقود شراء الكتب، إذا ما أجبرت كثرة الأطفال المرء على تحصيل الرغيف. حينها سيكون العمل الكثير متلفا للصحة.
ولكن أين سيسكن؟. “لعل زوجتي لا تحب لندن. عندها سيكون الحكم النفي والكسل، والتبطل الأحمق. بيد أن البديل مؤس “تخيل أن يعيش المرء يومه في عزلة ببيت لندني متسخ بلون الدخان. تصور أن لديك زوجة رقيقة جالسة على الأريكة، إضافة إلى نار هادئة، وكتب وموسيقى، ربما. قارن هذه الصورة بالمظهر المتسخ المسود لشارع مالبورو”.
تحت عمود “تزوج” وضع قراره: “تزوج. تزوج.
بعدها مضى إلى القضية التالية: لقد تأكدت ضرورة الزواج. لكن متى؟ عاجلا أم آجلا؟.
بهذا الخصوص استشار أباه، دكتور روبرت دارون. “المستشار يقول عاجلا، وإلا سيكون الوضع سيئا في حالة وجود أطفال. فشخصية المرء في عمرك أكثر مرونة. مشاعره أكثر حيوية. إذا لم يتزوج المرء مبكرا، فسوف يفوته كثير من السعادة المحضة”. لا تؤجل الأمر إذن. “لا تنشغل بني. تشجع. لا يستطيع المرء أن يعيش حياة العزلة هذه، في شيخوخة منهكة، دون أصدقاء، بردان، دون أطفال ناظرا إلى وجهه في المرآة وهو يتغضن. لا تنشغل. ثق في الصدفة. كن نافذ البصر. ثمة كثير من العبيد السعداء”.