“رهان الوقت”.. خطة أممية جديدة في ليبيا
تقرير | 218
عندما تتعثر العملية السياسية في محاولة تهذيب شكل الصراعات الداخلية للدول، وتنتقل خيوط اللعبة خارج الحدود الجغرافية السياسية للدول غير المستقرة، تكون إطالة عمر الأزمة جزءا مهما من الحل. والتجربة التاريخية السياسية زاخرة بالدلالات والعبر التي تشير للعنصر الخفي الذي يدعى “الوقت” العنصر النوعي المسؤول عن استنزاف إرادة القتال العسكري لدى الخصوم السياسيين، ليقع الجميع في أحضان مفاوضات الأمم المتحدة منهكين وجاهزين لهندسة المصالح الجزئية لتكون ضمن المصلحة الوطنية الشاملة، وربما تكون الأزمة الليبية دخلت عنوة في رهان الوقت الذي صنعه الانقسام الدولي حولها؛ إنه الزمن الذي يقاتل محايدا وسط الحرب، ليقلِّب بمحراثه الأرض المشبعة بالدم واليأس.
قَدر المبعوث الأممي غسان سلامة أن يواصل السير الحذر بين حقل الألغام الليبي مراهنا على الوقت، ومتنقلا بين الممكنات والمستحيلات الليبية، فبحسب بعض المراقبين دخلت البعثة الأممية في مرحلة احتواء للسياسة العنيفة المتمثلة في المعارك المسلحة تحت عنوان “وقف إطلاق النار” متجاوزة وظيفتها الأصيلة “الدعم” السياسي وتسهيل التقاء الخصوم السياسيين على كلمة وطنية سواء.
في المقابل، فإن وقف إطلاق للنار دون شروط ميدانية وعسكرية مسبقة، لإنهاء المعاناة الإنسانية في جنوب العاصمة طرابلس يحتاج هو الآخر لشروط سياسية ودولية.
ويبدو من المبكر الحديث عن بلورة لمشروع وقف إطلاق النار الذي تعمل البعثة الأممية للدعم في ليبيا على خلق ظرف دولي يدفع باتجاهه دفعا إجباريا يُرغم القوى التي باتت تلخص شكل الواقع الأمني الجديد بعد 4 أبريل على العودة إلى طاولة المفاوضات.
في غياب لإمكانية الحسم العسكري، تواجه مشروع وقف إطلاق نار غير مشروط في جنوب العاصمة الليبية ثلاث عقبات رئيسة، تمثل تحديات معقدة ولكنها ليست مستحيلة؛ تتمثل العقبة الأولى في موقف المجموعات المسلحة الموالية لحكومة الوفاق الوطني، مدفوعة بتعبئة من جماعات الإسلام السياسي في العاصمة طرابلس، التي ترفض بالمطلق أي حديث عن وقف إطلاق نار غير مشروط بانسحاب الجيش الوطني إلى المناطق التي انطلقت منها عملياته العسكرية في الرابع من أبريل، التاريخ الذي لا شك سيكون التاريخ المسؤول عن ترسيم عملية سياسية مختلفة بشروط 4 أبريل.
العقبة الثانية هي ترجمة لموقف الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، الذي أظهر انفتاحا على وقف إطلاق النار غير مشروط بانسحاب قواته إلى المناطق الجنوبية، الأمر الذي يحقق تثبيت نصرا جزئيا لقوات الجيش الوطني من خلال محافظتها على المناطق والمدن التي سيطرت عليها. المشير حفتر أكد في آخر زياراته لباريس أن شروط وقف إطلاق النار لم تكتمل بعد، غير أنه لا مناص من وجود عملية سياسية، ما فُهم منه حينها أن الجيش يطالب بتسوية سياسية وترتيبات أمنية ترتبط بوقف إطلاق النار وتتناغم مع ما اتفق عليه في لقاء أبوظبي.
العقبة الثالثة، استمرار انقسام الأسرة الدولية حول ما يحدث في ليبيا، وتحول روسيا من الاهتمام الأمني بليبيا إلى اهتمام سياسي نوعي برز في الدور الذي لعبته روسيا في مجلس الأمن لتعطيل مشروع القرار البريطاني بخصوص وقف إطلاق النار في ليبيا.
يحاول اليوم المبعوث الأممي غسان سلامة في تنقله بين العواصم الغربية للدول المؤثرة في ملف الأزمة الليبية، أن يجد مساحة تتقاطع عليها مصالح الدول مع المصالح الليبية، غير أن ذلك يعتبر تحديا يضاف إلى جحافل التحديات التي يواجهها عمل البعثة الأممية في ليبيا، ابتداء من إعادة ترميم الاتفاق السياسي وليس انتهاء بوقف إطلاق النار.