رسالة إلى محافظ البنك المركزي
سليمان الشحومي
البنك المركزي يتحرك ويحاول علي ما يبدو التعاطي مع متغيرات السوق السوداء للعملات في ليبيا بعد الانخفاض الكبير فيها والتي هي بالأساس انعكاس لبعض الإجراءات التي قام بها المركزي وما سيقوم به من المباشرة في فتح الاعتمادات لعدد كبير من الشركات وبقيمة 3.5 مليار دولار تقريبا. ويترقب الجميع البنك المركزي ليبين علي الملاء خطواته القادمة والتي تنحصر مساحة مناورته علي ما يمكن عرضه من دولارات بالسوق عبر الاعتمادات والحولات .
المقترح الذي يتداول الان هو ان يرفع البنك المركزي القيود علي الصرف الأجنبي ويتيح للقطاع الخاص الذي يودع النقد في حساباته ان يحول ما نسبته 40%بموجب اعتمادات ويجمد النسبة الباقية 60% لمدة سنة.
لا شك ان هذا المقترح ظهر كمخرج لحالة الجمود التي تعيشها المؤسسة النقدية والانقسام في مجلس ادارتها وعدم إمكانية انعقاده لتعديل سعر الصرف وخصوصا بعد ان اختار البرلمان محافظ جديد بمفرده .
ويبدو ان البنك المركزي لم يحسم أمره بعد فهل يخرج بهذه السياسة او يعدلها ؟
الهدف من المقترح المشار اليه هو استخدام العملة الاجنبية كمصيدة لجذب العملة المحلية بسبب الإقبال الشديد عليها من الجميع، واحتجاز 60% من الإيداعات ليسهل توفير السيولة لسداد الالتزامات المختلفة ولكن هذا الحجز الاختياري لا يتفق مع القاعدة ان الودائع هي اموال تصرف عند الطلب مالم تكن مربوطة بعقد ودايعة زمنية ، كما ان حجم السيولة خارج الإطار المصرفي 37 مليار دينار تقريبا يقابلها ودائع لدي البنوك بقيمة 77 مليار منها ، ولكن هذه الكتلة النقدية المحلية موجودة علي الأغلب لدي بعض التجار وكثير من المهربين و من استغلوا الاعتمادات في تهريب الدولارات الي الخارج واستبدلوها بدينار رخيصة
وبالتالي هل يكون ما يقترحه البنك المركزي يلقي ترحيب منهم ، بالتاكيد انهم سيكونون اكثر سعادة فديناراتهم ستدخل بشكل قانوني وتغسل اموالهم بشكل قانوني ، ويكسبون أضعاف مالديهم الان ، بالاضافة الي ان البنك المركزي سيكون امام طلب لا يقل عن 35مليار دولار لهذه السنة وهذا امر قاسي جدا كفاتورة تسدد لتنظيف هؤلاء المجرمين ، وهي مرهونة بمدي استمرار ارتفاع أسعار النفط والتي قد تتغير في اي وقت.
لاشك ان البنك المركزي يستهدف حل ازمة السيولة بالدرجة الاولي عبر هكذا تصور، و هناك من يقترح ان يتم العمل بهذا التصور مع ان يتم اجراء مصالحة بين مصلحة الضرائب وصندوق الضمان الاجتماعي ومن يقوم بإيداع مبالغ ضخمة تفوق حجم نشاطه الطبيعي ويسدد نسبة من إبداعاته في حدود 15-20% وبعدها يتم اضفاء الصفة الشرعية علي هذه الاموال ، وهذا في تقديري سيكون مكافأة كبيرة للفاسدين ، كما ان الظروف الغير مستقرة لا تسمح بالقيام بهكذا تجاوزات بدون سند من القانون، ونحتاج للوصول الي حالة الاستقرار حتي يمكن اثارة نقاش مجتمعي وسياسي واقتصادي حول هكذا اجراء. طبعا الأقرب للبنك المركزي هو التوسع في عرض النقد الأجنبي وعبر الإعلان عن سياسة واضحة ومنظمة تقوم علي تحديد سقف الكمية المتاحة للاستخدام هذا العام والتي حتما لا يجب ان تقل عن 20 مليار دولار للاغراض التجارية بالاضافة الي ما يخصص للاستخدامات الشخصية المختلفة وايضاً مع ثبات واستقرار المعروض عن كل شهر وتتولي البنوك تلقي الطلبات مصحوبة بيانات شهرية عن المنفذ والمبلغ من النقد الأجنبي .
ولعل اتخاذ خطوات ملموسة لسحب الإصدارات القديمة من العملة المحلية امر هام، وأضيف علي ذلك ان استخدام اداة إصدار سندات او صكوك لتمويل عجز الحكومة عبر ربطه بالحصول علي الاعتمادات والنقد الأجنبي لمختلف الأغراض خصماً من ارصدة الودائع سيساعد حتما علي التحكم في عرض النقود سواء النقدية او الودائع وإدارتها بشكل محترف .
اعلان سياسة واضحة خلال هذه الايام سيعزز تراجع السوق الموازي للدولار ويحسن من مستوي الأسعار ويساعد علي تبصر الطريق ، فقد لا يكون من المناسب الان فتح الباب علي مصراعيه ونحن لا نملك ان نقف في وجه التيار الذي سيتدفق عبره.