رجال ترامب؟!
عبدالمنعم سعيد
بالصدفة البحتة كنت فى الولايات المتحدة لأوقات كثيرة خلال العامين الأخيرين. لم يكن ممكناً لمن يعمل بدراسة السياسة، والمتخصص فى السياسة الخارجية الأمريكية، أن يفلت منه التاريخ فى متابعة الانتخابات الأمريكية والتى كانت هذه المرة ليست قصة الانتخابات المعتادة خلال العقود الماضية، ولكنها كانت قصة صعود دونالد ترامب بامتياز. وفى شهر يونيو ٢٠١٥ عندما أعلن الملياردير الشهير عن ترشحه للانتخابات كان واضحاً أن الجميع فى الساحة السياسية يستبعدونه بشدة، خاصة هؤلاء فى الحزب الجمهورى الذين صمموا على أنه لا يزيد عن كونه «ظاهرة تليفزيونية». وعندما بدأت الدورة الإعلامية تأخذ مجراها، وبات واضحا أن استطلاعات الرأى العام كلها تقدم الرجل باعتباره مرشحا لا يمكن تجاهله، سادت وجهة النظر أن الرأى العام يأخذ أحيانا بالظواهر، وأنه ما إن تبدأ الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهورى فإن الناخب الأمريكى سوف يكون أكثر جدية. فى الحزب الديمقراطى الذى كان مشغولا بمرشحيه لم يلق كثيرا من البال للاهتمام بمرشح لم يسبق له تولى منصب عام، وليس لديه من الخبرة السياسية ما يستحق أخذه بجدية، ومع ذلك فإن المتابع لن يغفل حقيقة أنه لو كانت هناك أمنية ديمقراطية فهى أن يكون ترامب هو المرشح الجمهورى وليس واحداً من أساطين الحزب مثل «جيب بوش»ـ حاكم فلوريداـ أو «تيد كروز»ـ عضو مجلس الشيوخ عن تكساس- أو حتى الشاب الصغير «ماركو روبيو» الذى يشبه أوباما فى بلاغته، وبيل كلينتون فى جاذبيته.
لم يكن أحد فى الحزب الديمقراطى يعرف أنه سوف يحصل على الأمنية التى تمناها، وفى الحزب الجمهورى كانت الإفاقة على حصول الرجل على ترشيح الحزب. ومع ذلك ساد الاتفاق أن ترامب وقد بات مرشحا رئاسيا سوف يكون له وجه آخر غير الذى ظهر عليه خلال الحملة الانتخابية. بشكل ما سوف يظهر الرجل «رئاسيا» ويدخل فى ثوب الرئاسة، عاقلا ومتزنا، ويكون فى النهاية قد دخل القالب الذى تواضع عليه الأمريكيون فى شكل الرؤساء. ولكن الحملة الانتخابية الرئاسية بين دونالد ترامب وهيلارى كلينتون لم تترك النظارة إلا بحقيقة أن ما يشاهدونه على المسرح السياسى، وما ينطق به المرشح الديمقراطى من كلمات وتجاوزات وشطط فى الرأى واللغة، هو ذاته الذى ذكره منذ بداية الحملة الانتخابية فى مواقفه السياسية المعروفة، ولا فى علاقاته بالجماعات المتطرفة الأمريكية. ومع ذلك، وبقدر ما من التسامح من العاملين فى الحملة الانتخابية لدونالد ترامب، فإن مقولة سادت أن المرشح فى الحملة الانتخابية يكون على شاكلة ساعية لجذب الأصوات، وتعبئة الأنصار، ولكنه عندما يدخل البيت الأبيض سوف يكون له شكل آخر أكثر مسؤولية ومعرفة بالحدود التى تصل إليها سلطة الرئيس، وتقديرا لدور المسؤوليات الأخرى للمؤسسات الأمريكية ذات السلطات الدستورية الواسعة.
الآن وقد فاز ترامب بالانتخابات، وصار الرئيس المنتخب، فإن أصحاب النوايا الطيبة ظلوا على قناعتهم بأن دونالد الرئيس سوف يكون الآن وقد تحمل المسؤولية سوف يكون شيئا آخر، فمن يتحمل المسؤولية الثقيلة للبيت الأبيض- هكذا قيل- يختلف عن ذلك الذى يباشر الفضاء الواسع الحملات الانتخابية. ووضع هؤلاء معيارا واضحا للحالة الرئاسية للرئيس ممثلة فيمن سوف يختارهم للعمل معه، فهؤلاء سوف يقدمون المسافة بين الانتخابات ومتطلباتها، والرئاسة ومسؤولياتها. صحيح أن كان هناك من يقول، خاصة هيلارى كلينتون فى آخر مراحل الحملة الانتخابية، إن ما يظهر من دونالد ترامب هو ما سوف يكون عليه، أملاً أن ما فى مظهره من قبح يكفى لخسارته الانتخابات. ولكن ثبت من النتيجة أن من قالوا داخل الحزب الجمهورى «دعوا ترامب يكون ترامب» أنهم على صواب، لأن مظهره أيا كان جمالا أو قبحا، كان هو بالتمام والكمال ما يريده الناخبون. وبصراحة فإن موقف ترامب من المهاجرين والأقليات السوداء والبنية والمسلمين وحتى أصحاب الاحتياجات الخاصة كان هو الذى جعله يفوز فى الانتخابات.
والآن فإن المراجعة للرجال والنساء الذين اختارهم ترامب للعمل معه تدل على أن الرجل كان يعنى كل كلمة قالها مهما بدا من تطرفها أو غلوائها فى النظر إلى الأمور داخل أمريكا أو خارجها. ومنذ بداية اختياراته للعاملين معه فى البيت الأبيض أو هؤلاء الذين سوف يعملون فى إدارته الحكومية أو فى مناصب أخرى تبلغ حوالى ٤ آلاف موظف عام، كل هؤلاء يعكسون بدرجة أو بأخرى من التطرف فى الآراء التى أدلى بها. بداية اختيارات رجال ترامب كان فيها ما لم يكن مألوفاً من قبل وهو اختيار المستشار «الإستراتيجى» الأول حل فيه «ستيفن بانون»، والمنصب لم يكن شائعا فى الإدارات الأمريكية السابقة، وفى الأغلب أنه سوف يكون الأيديولوجى الذى يراقب وضع «فلسفة» ترامب موضع التطبيق. وتاريخه الفكرى يضعه بشكل كامل فى دائرة العنصريين الذين يؤمنون بعظمة البيض، ويرون أشياء خاطئة لدى اليهود والعرب والمسلمين والأجناس غير البيضاء. وبعض من هذا أو كله، حسب الموقف، سوف نجده لدى «مايكل فلين» مستشار الأمن القومى والجنرال الذى كانت أهم التجارب التى صنعته ارتبطت بالحرب فى أفغانستان، والاستخبارات فيها، والتى انتهت به إلى نوع من «الإسلاموفوبيا» التى عبر ترامب عن بعض منها خلال حملته الانتخابية. وشاع «فلين» بسرعة عن طريق ابنه الذى عينه مستشارا خاصا له، وكان من أول أعماله الزعم من خلال «التويتر» أن هيلارى كلينتون لها علاقات غامضة مع أحد محال البيتزا التى تعمل كغطاء لشبكة دولية للرقيق الأبيض. ولحسن الحظ أن هذا لم يكن سقفا يصل إليه ترامب فى التشهير بالخصوم، فتمت الإطاحة بابن مستشار الأمن القومى بسبب ما بات معروفا بفضيحة «البيتزا».
كانت هذه هى البداية ولكن ما تلاها سار على ذات الطريق، فاختيار عضو مجلس الشيوخ «جيف سيشنز» لكى يكون نائبا عاما كان بسبب مواقفه المتشددة من الهجرة غير الشرعية أكثر من كل أعضاء الكونجرس الآخرين. ومن بعده جاء اختيار المدعى العام لولاية أوكلاهوما «سكوت بروت» لكى يقود وكالة حماية البيئة والتى سبق أن قاضاها فى المحاكم نتيجة مواقفه المحافظة من قضية حماية البيئة وموقفه المعارض لوجود ظاهرة الاحتباس الحرارى. وفى مجال التعليم كان الاختيار الأول لسيدة «بيتسى دايفوس» كوزيرة نظرا لمواقفها المؤيدة للمدارس الخاصة على حساب تلك العامة. وسار الأمر هكذا فكان «ويبر روس» كوزير للتجارة نظرا لمواقفه المعارضة للصين ومنظمة التجارة العالمية، و«ستيفن منشن» كوزير للمالية، و«بن كارسون» كوزير للعمل، ويبدو أن اختياره لم يكن لمدى محافظته بقدر ما كان من أجل تمثيل الأمريكيين من أصل أفريقى فى وزارة من البيض، ورداً لجميل مساندته فى الحملة الانتخابية. ولم يختلف الأمر كثيرا فى المناصب الكبرى لوزيرى الدفاع الذى وصل إلى الجنرال «جيمس ماتيس» القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية؛ ولم تكن هناك مفاجأة فى النهاية، عندما اختار ترامب «ركس تيلرسون» وزيرا للخارجية وهو القادم من شركة «إكسون موبيل» والصديق الصدوق للرئيس الروسى فلاديمير بوتين. كل هؤلاء، وبقية من اختارهم ترامب، جاءوا لخدمة هدف من تلك الأهداف التى دعا إليها الرئيس المنتخب فى الحملة الانتخابية.
فى النهاية وصفت صحيفتا «بوليتيكو» و«النيوزوويك» فريق ترامب بأنه «فريق الأحلام المحافظ»، وأكثر الحكومات المحافظة فى التاريخ الأمريكى. وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أنه من المستحيل تقريبا أن نجد تغيرا يذكر فى التفكير الأيديولوجى للرئيس القادم. ما سمعناه من ترامب من قبل كان هو ما وجدناه فى اختياراته الأولى، وعلى من سيتعاملون مع الولايات المتحدة أن يتعاملوا مع الرئيس الأمريكى على هذا الأساس؛ فما تسمع، وما ترى، هو ما سوف تجده!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “المصري اليوم” المصرية