مقالات مختارة

دروس نيوزيلاندا

سالم الهمالي

كان يوم الجمعة الماضي في نيوزيلاندا مأساويا بكل المعايير، أقدم فيه إرهابي متعصب أسترالي المولد والجنسية على اقتراف عملية اجرامية ارهابية، استهدفت المسلمين الذين يشكلون ما نسبته ١٪  في المائة (45.000) من عدد السكان، نتج عنه ازهاق خمسين نفسا بريئة وإصابات بعضها بليغة فيما يماثل هذا العدد.

هذا الحادث المريع تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي مباشرة، وانتشر كالنار في الهشيم في ارجاء العالم، محدثا صدمة رهيبة خصوصا عند الشعب النيوزيلاندي المعروف بميوله المسالمة وبعده عن التطرف. توالت الاستنكارات على مختلف المستويات الحكومية والشعبية من تلكؤ دونالد ترامب الى استغلاله في المظاهرات الانتخابية من قبل رجب طيب اردوغان. ذلك لم يكن مستغربا، ولا يثير الانتباه!

اما الأهم فكان الآتي:

– الصورة الحضارية التي ظهرت بها الجالية المسلمة في نيوزيلاندا، خطاب إعلامي قمة في السمو والأخلاق وترفع عن انتهاج لغة إعلامية تؤجج المشاعر وتعطي المبرر للقلة القليلة من المتعصبين والإرهابيين في العالم. لم نسمع منهم إلا رسالة الاسلام السمحة بالسلم والسلام، وأنهم منفتحين على باقي اطياف المجتمع النيوزيلندي داعينه بزيارة المساجد والتعرف على المسلمين عن قرب.

– تحدث زوج احدى الضحايا بصوت هادئ، مبينا انه لا يكره المجرم القاتل في ذاته بل الفكر العنصري البغيض الذي يحمله، معلنا انه يغفر له خطاياه ويدعوه بدراسة الاسلام وقبول دعوته.

– ردود الفعل في نيوزيلندا (حكومة وشعب) كانت استثنائية، تعاطف شعبي منقطع النظير مع المسلمين ودفاع عن دينهم. الحكومة ورئيسة وزراءها كانت سباقة بتسخير إمكانيات الدولة لهذا الغرض وقيادتها الشخصية للازمة، بزيارة المساجد وبيوت الضحايا والتعبير الواضح والجلي بالرفض لهذا السلوك المنحرف، بالاضافة الى دعوة حكومتها لاتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمنع وقوع مثل هذا الفعل مرة اخرى. رؤيتها وهي تلبس الحجاب وتعانق المسلمات بتأثر ظاهر عبرت فيه عن إحساسها بالمصاب الجلل الذي الم بهم، يعطي درسا في مؤازرة ضحايا النكبات الطبيعية والأفعال الإرهابية قل مثيله.

– عقد برلمان نيوزيلاندا جلسته افتتحها بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، وتقاطر النيوزيلانديون على المساجد يسمعون كلام الله ويشاهدون عبادة المسلمين عن كثب، يؤكد بأن مشيئة الله وإرادته هي الأقوى فجعلت من هذا الحدث المأساوي سببا لتعرف الشعب النيوزيلاندي على دين الاسلام والمسلمين.

– أرسلت وزير خارجيتها الى تركيا ليوضح لهم كيف تعاملت الحكومة والشعب النيوزيلاندي مع الحادثة فعلا لا قولا، داعينهم الى انتهاج أسلوب اكثر إيجابية في التعامل للتخفيف من الأضرار التي قد تنجم من مثل هذه الأحداث عندما يستغلها الأكثر تطرفا.

– تعتزم الحكومة السماح برفع صوت الآذان يوم الجمعة في ارجاء نيوزيلاندا تضامنا مع الجالية المسلمة واحتراما لها.

اخيرا، ازعم ان السيرة الطيبة للمسلمين في نيوزيلاندا هي السبب في ردة الفعل الإيجابية من الحكومة والشعب النيوزيلاندي، والدعوة الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة اكثر فائدة … (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).

نقلا عن صفحة الكاتب على الفيسبوك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى