درباش لـ”البلاد”: جيل “خلل التعليم” سيظهر خلال 30 عاماً
218 |خاص
قال المبروك درباش أستاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا إن خللا عميقا واستراتيجياً سيدفع الليبيون ثمنه في غضون العقود الثلاث المقبلة، بعد أن ينتبهوا إلى حجم التسرب والهجرة من مقاعد المدارس والجامعات نحو الجماعات المسلحة التي يُقاتِل بعضها البعض، معتبرا أن مستوى التعليم في ليبيا “كارثي جداً”، وأن الشباب ينسحبون من المؤسسات التعليمية بسببالانضمام لجماعات الحرب والقتال مقابل المال، معتبرا أن مَنْ يتلقون التعليم هم لا يتلقونه بشكل جيد بسبب غياب المناهج وطريقة التدريس الجيدة في المدارس والمعاهد والجامعات في العقود الأربع الأخيرة.
وبحسب درباش الذي أطل للحديث عن تجربته الأكاديمية ورحلته إلى خارج ليبيا طالبا للعلم في بداية الأمر، ثم مدرسا في عدة جامعات دولية، في برنامج “البلاد” الذي بثته قناة “218NEWS” ليل الخميس، فإنه لا أحد مسرور من وضع التعليم والمؤسسات التعليمية في ليبيا، وأن المؤسسات التعليمية في ليبيا تعاني من وضع متدهور، عدا عن وجود أسلوب التلقين لمناهج قديمة جدا تخلو من التفاعل بين النظرية والتطبيق، معتبرا أنه في ظل حالة شبه الانهيار للمؤسسات التعليمية فإن الحديث عن تطوير التعليم أو المرافق التعليمية، أو حتى المناهج يعتبر نوعا من الترف الفكري، متسائلا ما إذا كان أي مسؤول قد فكر في إيجاد توازن بين التخصصات الجامدة وبين حاجة سوق العمل الليبي في المرحلة المقبلة.
وفي حال المجتمع الليبي يقول درباش إن الليبيين يجب أن ينظروا إلى المرأة بوصفها “نصف المجتمع”، وحياة بأكلمها بعيدا عن التقاليد المتطرفة التي تخص النظرة تجاه المرأة، وأن المرأة عنصر أساسي في المجتمعات التي تريد أن تتطور، معتبرا أن أكثر ما يُسْهِم في تدهور المجتمعات هو نظرة أفراد المجتمع إلى المرأة بوصفها عنصر يجلس في البيت فقط، مطالبا أن تكون المرأة الليبية جزء من دورة الحياة في أي تقدم منشود، وتطوير للحياة المدنية.
سياسيا، يشير درباش إلى أن الطبقة السياسية الحالية في ليبيا لديها انحدار خطير جداً، وأن هذا الانحدار يصاحبه وعي اجتماعي متدني جداً، وهناك عقلية غريبة جدا في التفكير السياسي لدى جزء كبير من الليبيين بسبب الواقع السياسي الذين عاشوه خلال العقود الماضية، إذ لم يشاهدوا أي تجارب مدنية أو ديمقراطية أسوة بدول مجاورة، أو في الدول التي ذهب أفراد منها للدراسة في الخارج.
وفي الشخصية الليبية يشير درباش إلى أن هناك قول قديم بين الليبيين وهي أن بلادهم هي بلد المليون حافظ للقرآن، وهو قول يرى درباش أنه يختلف تماما عما إذا كان هؤلاء يعرفون معاني القرآن جيدا، أو يفهمون فقهه وأحكامه، أو يعملون بها كأحكام وسطية تنبذ الغلو والتطرف، أو يعطون المرأة حقها الاجتماعي الوارد في نصوص القرآن الكريم، معتبرا أن الجودة ليست في الحفظ والتلقين بل في الفهم والفقه بها.
وفي شأن حقبة العقيد معمر القذافي، لا يتفق درباش في أن قرار العقيد شطب تعلم اللغة الإنجليزية في المؤسسات التعليمية كان “انهيارا وتجهيلا”، إذ يشير إلى دراسات تخصصية تقول بأن اللغة الأم هي اللغة المثالية للتعلم بما نسبته 80% من التعلم بلغات أخرى، قال درباش إنه من الممكن اكتسابها وتعلمها في مدارس متخصصة أو قبل الانضمام إلى الجامعات التي تعتمد اللغة الإنجليزية في مناهجها، كاشفا أن نظام العقيد كان محقا في التصدي للعديد من الأفكار الدينية المتطرفة والمتشددة التي بدأت بالتسلل إلى ليبيا في أوائل عقد الثمانينات، معتبرا أن هذه الأفكار كان الكثير منها هدّاما، وأسهمت في إفساد العديد من الليبيين الذين في مراحل معينة اعتبروا أن وجود التلفاز في المنزل “حرام وإفساد”.
اقتصاديا، يرى درباش ضرورة لتغيير في الاقتصاد الليبي للخروج تدريجيا من “الاقتصاد الريعي” الذي يقوم على أن الدولة بوصفها لديها الثروة النفطية فهي مجبرة بأن توفر لليبي كل شيء، معتبرا أن الشخصية الليبية هي شخصية ذكية جدا في التجارة، لكن لديها عداء مع المصانع وإنتاج الاقتصادات الصغيرة، وهو أمر يتطلب تحولا في الشخصية الليبية، معتبرا أن عقلية الإنتاج غير موجودة، بسبب وجود توجه نحو التعيين في القطاع العام والوظيفة الرسمية، استندا إلى ثقافة المجتمع في الاقتصاد الريعي.