دار الكتب الوطنية …. ذاكرة الوطن المهملة
انتصار بوراوي
المكتبة الوطنية حسب تعريف خبراء اليونسكو هي المكتبة التي لديها واجب جمع وحفظ الإنتاج المكتوب لأي دولة خدمة لصالح الأجيال القادمة ولهذا سميت المكتبة الوطنية بالمكتبة القطرية، أي المكتبة الخاصة بقطر ما وواجباتها محددة في جمع الإنتاج الفكري الوطني وتنظيمه وحفظه والتعريف به
وللبحث على فكرة إنشاء دار الكتب الوطنية في ليبيا رجعنا إلى أهم الكتب التي عرضت لدراسة تاريخية وعلمية مكتبية إحصائية موثقة عن دار الكتب الوطنية وهو كتاب بعنوان #” دار الكتب الوطنية بنغازي.. دراسة ميدانية لواقعها وسبل النهوض بها” للباحث الدكتور إدريس مختار القبائلي، والكتاب هو أطروحة جامعية لإنجاز رسالة الماجستير في المكتبات عن دار الكتب الوطنية قدمت في عام 2000 بقسم المكتبات والمعلومات بجامعة قاريونس .
في بداية كتابه البحثي الدراسي القيم يورد الباحث إدريس القبائلي لمقابلة أجراها مع الأستاذ طاهر الشويهدى مفتش المكتبات سابقا الذى تحدث عن بواكير فكرة إنشاء دار الكتب الوطنية في بنغازي بالقول : بأن فكرة إنشاء دار الكتب الوطنية بدأت بمبادرة من السيد احمد بزامة في منتصف ستينيات القرن العشرين الذى بادر بالاتصال بعميد بلدية بنغازي لإنشاء مكتبة عامة فقام بتخصيص قطعة أرض كانت ملعبا للكرة وبعد ذلك تم الاتصال بالمهندس المصري د نصارى كامل من جامعة عين شمس لوضع الخرائط والتصميم للمكتبة بمساعدة المهندسين فتحي جعودة والشريف بن عامر ،وبعد فترة تغير المشروع ليكون مكتبة وطنية على ان تخدم الغرضين معا ورصدت للمشروع ميزانية تقديرية بلفت000 ,450دينار وفى منتصف الستينيات، كانت خرائط المشروع جاهزة بعد ان رسي المشروع على إحدى الشركات الوطنية للمقاولات، ولكن المشروع توقف لدراسته بعد سبتمبر 1969
وفي فقرة أخرى من الكتاب يتحدث الدكتور محمد فنوش عن بداية بناء وتنفيذ مشروع دار الكتب في مدينة بنغازي بعد ان تم استدعاء مجموعة من الخبراء من ألمانيا وإيطاليا وأمريكا ، وبدا الدكتور محمد فنوش مع مجموعة من الموظفين بالعمل رسميا وتجميع كتب ومحفوظات دار الكتب الوطنية بداية من عام 1973 قبل بناء مقرها الكبير وذلك بشقة صغيرة بها بعض المكاتب في إحدى عمارات وسط البلاد ، لقد صدر قرار انشاء الدار على عدة بنود منها: ان تنشأ دار الكتب الوطنية وفقا لأحكام القرار على هيئة ذات شخصية اعتبارية تسمى “دار الكتب الوطنية “ويكون مقرها القانوني مدينة بنغازي وتتمتع الدار بشخصية اعتبارية وذمة مالية وتتبع أمانة اللجنة الشعبية العامة للإعلام والثقافة ،وتحددت أهداف الدار في اقتناء وحفظ كل ما يصدر في ليبيا والإشراف على قانون الإيداع وإصدار البيوغرافيا الوطنية الجارية والمراجعة وغيرها من أهداف عامة للدار
و تم الانتهاء من بناء مقر دار الكتب الوطنية في بنغازي في عام 1979و، حيث انجز مبنى دار الكتب الوطنية من أربع طوابق احتوى كل طابق على مجموعة من اقسام الكتب والدوريات والوثائق من بينها المجموعات الوطنية الليبية والمجموعات العربية والمجموعات الأجنبية والدوريات وقسم المجموعات الخاصة الذي يحتوي مجموعات وثائق الهيئات الدولية مثل هيئة الامم المتحدة ومنظمة جامعة الدول العربية والوحدة الافريقية ومنظمة التحرير الفلسطينية واليونيسكو وقسم التبادل والإهداء وقسم الإيداع والشئون الفنية وقسم الفهارس وقسم الرقم الوطني الموحد
و هناك قسم مهم أيضا يحوى كنوز من الوثائق والدوريات النادرة كان يطلق عليه ابان عهد القذافي قسم “محدود التداول ” و لا يسمح بدخوله والاطلاع عليه إلا بتصريح وأذن من مدير الدار وهو قسم مهم وتاريخي لانه يحتوي على كثير من الوثائق التاريخية الخاصة بالعهد الملكي ودولة الاستقلال مثل مراسلات الملك وديوانه الملكي والإصدارات من الصحف والمجلات ووثائق وزارات تلك المرحلة.
و في عودة منا لكتاب واطروحة الباحث مختار القبايلى لمعرفة اعداد واحصائية مجموعات الكتب بدار الكتب الوطنية حسب السجلات في عام 1999 سنة الدراسة والبحث نجد انها كانت كالتالى :
الكتب العربية 18209 كتاب
الكتب الأجنبية باللغات الانجليزية والفرنسية وغيرها 16300
الدوريات العربية 266
الدوريات الأجنبية 134
الرسائل الجامعية 201 والرسائل الجامعية الأجنبية 143
المطبوعات الرسمية3220 عربية 1150اجنبية
المجموعات الخاصة العربية 1364
المجموعات الخاصة الأجنبية 3032
بالإضافة إلى 125 مخطوط
استمرت دار الكتب الوطنية في العمل منذ عام 1973الى أواخر عام 2013 ،وخلال كل تلك العقود كانت دار الكتب الوطنية تعانى من عدم اهتمام الدولة بها وتكاد تقتصر كتبها ودورياتها على ما تم تجميعه في بداية تأسيسها، وعلى نتاج الإصدارات الليبية سنويا في ليبيا وخارجها من كتب وصحف ومجلات ودوريات مختلفة ،وذلك كان هو رافدها وعملها الأساسي كحافظ ومخزن للنتاج الوطني الليبي طيلة كل تلك العقود ولم تتاح للدار المشاركة في معارض الكتب العربية إلا بصورة عارضة وعابرة ، دون ان يتم تخصيص ميزانيات لشراء كتب جديدة سنويا ورفد الدار بالدوريات و بالكتب الحديثة ، ولم يتم الموافقة على تخصيص مبلغ لشراء منظومة مكتبية حديثة عوضا عن المنظومة القديمة التي تعمل بنظام “الدوس ” الذى لم يعد مستخدم في علم المكتبات وتقنية المعلومات ومنظومات المكتبات ،ورغم كل ذلك كانت الدار تعمل وتمنح خدماتها لطلاب المدارس والجامعات وطلاب الدراسات العليا الذين كانوا يتقاطرون عليها من كل المدن الليبية، إلى أن تقرر في أواخر عام 2013 تفريغ دار الكتب الوطنية من كل محتويات كتبها ومحفوظاتها ونقلها لمخازن في اطراف المدينة لغرض صيانة مقرها بالكامل
ثم دخل مقر الدار تحت وقع الاشتباكات والحرب التي جرت منذ أواخر عام 2014 في بنغازي ولكن وبحمد لله ورعايته ، لم يتعرض مقر الدار للهدم او التدمير ونجا المبنى الكبير الضخم من الحرب ،و رغم مرور عامين على انتهاء الحرب في بنغازي لازالت دار الكتب الوطنية دون خطوة جدية للعمل على صيانة مقرها بالإضافة إلى التهديد الذى طال كتبها ومحفوظاتها التاريخية ، نتيجة عدم تسديد إيجار مخازن الكتب.
دار الكتب الوطنية هي معلم من معالم بنغازي، الثقافية والوطنية وتستحق ان يكون لها الأولوية في النظر لصيانتها والاهتمام بحال كتبها وكنوزها ومحفوظاتها التاريخية، ورغم كل هذا السوء الذى نشعر به نتيجة تجاهل قيمتها وتاريخها وعملها إلا أنه لا زال لدينا أمل كمثقفين وعشاق لتاريخ بلادنا بأن ثمة مسئولين وطنيين حقيقيين سيلتفتون للدار ويضعونها تحت أولوية الاهتمام بعد كل الإهمال والإجحاف والجحود الذى تعرضت له طيلة تاريخ عملها كمنارة للعلم والثقافة في ليبيا .
المرجع
# دار الكتب الوطنية بنغازي ..دراسة ميدانية لواقعها وسبل النهوض بها إعداد إدريس مختار القبائلي .. منشورات جامعة قاريونس2008