بعد باريس وباليرمو.. روسيا تُجرب حظها
218 |خاص
لا تتردد وسائل إعلام روسية طيلة اليومين الماضيين عن القول إن القيادة الروسية باتت قريبة جدا من “إظهار تدخلها” في الأزمة الليبية، وهو تدخل ليس جديداً، وإنما قد يكون هذه المرة من العمق، وفي إطار علني تماما بعدما ظلت خلال العامين المنصرمين “الخطوات الروسية” من الأزمة الليبية تقتصر على “لقاءات وزيارات” قامت بها شخصيات سياسية ليبية تدير مؤسسات منقسمة، ولم يعد يجمعها إلا الاتفاق السياسي “الهشّ”، والذي وقعته أطراف ليبية قبل ثلاثة أعوام في مدينة الصخيرات المغربية.
وتتوقف وسيلتا إعلام روسيتان على الأقل عند أمرين لافتين بحسب صحيفتي “أخبار روسيا اليوم” و”كاتيهون”، فالأول هو مستوى التمثيل الروسي إلى القمة الدولية بشأن الأزمة الليبية، التي استضافتها مدينة باليرمو الإيطالية قبل نحو أسبوع، فقد حضر شخصيا رئيس وزراء روسيا “ديميتر ميدفيديف” الذي يعتبر “الرئيس الاحتياط” لروسيا، الذي له بصمة عميقة لكن غير معلنة في الداخل الروسي، في حين لوحظ أن دول عدة قد خفضت سقف تمثيلها إلى باليرمو، فالولايات المتحدة اكتفت بأحد مساعدي وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وهو السفير والدبلوماسي ديفيد ساترفيلد، فيما تريد موسكو أن ينعقد اللقاء الدولي المقبل بخصوص الليبية في روسيا، وتلك إشارة سياسية “معبرة ومهمة”، وفي توقيت مختلف تماما.
الأمر الثاني الذي تلفت إليه الصحف الروسية بشأن اقتراب بلادها الكبير من أزمة ليبيا هي سلسلة اللقاءات المكثفة التي عقدها ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي، الذي حرص أن يبدأ لقاءه بالمبعوث الأممي غسان سلامة، بـ”ضُبّاط الإيقاع في ليبيا” بدء من قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر، ورئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، ورئيس المجلس الأعلى خالد المشري، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، مع الإشارة إلى أن المشير حفتر كان قد أنهى زيارة للعاصمة الروسية موسكو قبل أيام قليلة من موعد مؤتمر باليرمو، وظهر فيها كضيف كبير محتفى به داخل مقر وزارة الدفاع الروسية، إذ التقى مع سيرغي شويغو وزير الدفاع، وكان يلاحظ أن لـ”قيافاتهما العسكرية” إشارة مهمة وهما يعقدان سلسلة اجتماعات عسكرية، وفي صورة واحدة على الأقل يظهر أن أحد الاجتماعات كانت في مقر غرفة العمليات داخل الوزارة التي يمكن القول إنها فرغت للتو من إدارة سلسلة عمليات عسكرية صعبة ومعقدة على ضفاف البحر الأبيض المتوسط على الأرض السورية.
وتوازياً مع ما تقوله الصحف الروسية، فإن النظرة الدولية السائدة حاليا إن روسيا ماضية في خططها نحو ليبيا، ففي التحليل السياسي تقول أوساط أميركية إن ما تنتظره روسيا هو إعلان أميركي عن “تدخل مباشر” في ليبيا، لتُقرّر هي الانتقال إلى الساحة الليبية في محاولة لـ”استعراض عضلاتها” ضد الولايات المتحدة التي تغض الطرف حتى الآن عن “التكتيك الروسي” الذي جربته في سوريا بمجرد ما اظهرّت واشنطن وجودها العسكري على الأرض السورية، حيث ساعدت روسيا على هزيمة واشنطن في سوريا، بل وتثبيت نظام الرئيس السوري بشار الأسد، إذ تخشى مستويات سياسية وعسكرية أميركية من أن روسيا قد تكرر نفس “السيناريو المهين” لأميركا على الأرض الليبية.
بعد معركة سوريا تبدو روسيا “قوة مُجرّبة” للولايات المتحدة وأوروبا على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، مع “شبه إقرار دولي” أن هذا البحر قد فُوّض لوجود عسكري روسي كبير قد تحاول موسكو في المرحلة المقبلة “إِكْمال طوقه” عبر هيمنة على السواحل الليبية، إذ تمتلك ليبيا ساحلا مؤثرا على هذا البحر بأكثر من 1700 كيلومتراً، وهو ما يعني أن روسيا قد باتت قريبة جدا من التدخل في ليبيا، لكن توقيت هذا التدخل قد يكون رهناً بـ”توقيت القيصر” الذي فاجأ العالم تماما بـ”ساعة الصفر” التي حددها لتدخله في سوريا في سبتمبر 2015.