حول كتابي “سجنيات”
عمر أبو القاسم الككلي
منذ أن خرجت من السجن كنت أفكر في الكتابة عن هذه التجربة. لكنني لم أكن أرغب في أن أكتب عملا تأريخيا توثيقيا. كان هدفي أن أكتب عملا أدبيا تخييليا fictional ولكن يحافظ، في نفس الوقت، على علاقة وطيدة بالواقع fact. لعلي كنت أطمح إلى شهادة الجمال.. إلى تسجيل جمال المقاومة ومقاومة الجمال. لهذا صنفتُ نصوص الكتاب، من ناحية الجنس الأدبي، على أنها “نصوص سردية، لحمتها جماليات الكتابة القصصية. وسداها ذكريات وأخبار، مثقلة ببشاعة الواقع، ومتوقدة، في المحنة ذاتها، بإرادة مقاومة هذه البشاعة.”.
كانت المعادلة، أو الخلطة، تبدو بالغة الصعوبة.
في الجلسات مع أصدقائي كان ما يدور من حديث يذكرني أحيانا ببعض الوقائع في السجن فأقصها عليهم ويعجبون بها. كان بعضهم يقول لي:
لماذا لا تكتب هذا؟!. اكتبه قبل أن يتسرب من الذاكرة.
أول نص من سجنيات (وهو النص الذي يبدأ به الكتاب) كتب سنة 2001. أي بعد خروجي من السجن بحوالي ثلاث عشرة سنة. تذكرته فكتبته. لست متأكدا الآن من أنه كان في نيتي أن يكون هذا النص خطوة أولى في مشروع الكتاب. الأرجح أنه لم يكن لديَّ مثل هذا المخطط، وإن كان مؤكدا أنه كانت لديَّ مثل هذه الأمنية. لكن النصوص أخذت تتوالى على فترات متباعدة (كتبت نصوص الكتاب على مدى حوالي تسع سنوات). إذ لم أكن مستعجلا. ويبدو أنه بعد “انكتاب” عدة نصوص أخذ مشروع الكتاب يتخلق وأحسست أنني بدأت أسيطر على الخلطة!.
ما أخمنه الآن، عندما أسأل عن كيفية تبلور مشروع هذا الكتاب، هو، أولا وقبل كل شيء، رغبتي في كتابة عمل أدبي عن السجن، وحث بعض الأصدقاء لي على كتابة الوقائع المتفرقة التي كنت أستشهد بها عفوا خلال أحاديث المباسطة، وإعجابي بأدب الشذرات، خاصة بعد أن تعرفت على كاتب روسي غير معروف في العربية يعتمد في أدبه على هذا النوع من الكتابة وقد ترجمتُ له عددا وفيرا منها عن الإنغليزية، هو ميخائيل بريشفن. هناك أيضا ما تعرفت إليه عبر قراءاتي بالإنغليزية ما يعبر عنه بـ faction وهي كلمة تمزج بين كلمتي fact واقع، و fiction التي أفضل ترجمتها، في مثل هذا السياق، بـ “تخييل” وليس “خيال”.
لفت الكتاب اهتمام كثيرين من الكتاب والأدباء الليبيين والعرب والأجانب. فلقد قام صديقي د. محمد جويلي بتقريره على طلبة الدراسات العليا لديه بالجامعات التونسية، وفرغت باحثة تونسية مؤخرا من إنجاز رسالة ماجستير عنه في إحدى الجامعات الفرنسية، وأدرج ضمن فصل دراسي عن “سرديات الحجز: الأسر، السجن، والاعتقال الجماعي” بجامعة بيركلي الأمريكية، وترجم شخص نصوصا منه إلى الإنغليزية نشرت، نصا وصوتا، في موقع جدلية الإلكتروني. وكتبت عنه الناقدة الإيطالية المستعربة إلفيرا ديانا Elvira Diana مقالا طويلا نسبيا بالإنغليزية بعنوان “سير ذاتية سجنية في الأدب الليبي: ‘‘سجنيات” عمر أبو القاسم الككلي [نموذجا]” في مجلة إيطالية ورقية وإلكترونية تهتم بالأدب العربي اسمها: La rivista di Arablit. وقد ختمت الناقدة مقالها بالقول: “يمكننا أن نستنتج أن “سجنيات” واحد من تلك الأعمال الأدبية التي تعكس، رغم حجمها المتواضع […] المنعطف السياسي والتاريخي الذي مرت به ليبيا”.