حوش العزاء في “فيسبوك”
محمد العجمي
تتكرر بشكل دائم اللطميات على مواقع التواصل الاجتماعي احتجاجاً على أمر مجتمعي، أو هزيمة رياضية، وربما قرار سياسي أو اقتصادي مهم في الدولة، ولكن بدون أي حراك منظم حقيقي يحول هذا التذمر إلى احتجاج فاعل، بل يبقى مجرد “نواح” على “فيسبوك”.
لم يكن الأمر دائماً كذلك، ففي عام 2011 حينما اجتاحت المظاهرات عددا من الدول العربية فيما عرف حينها بـ”الربيع العربي”، اعتقد كثيرون أن وسائل التواصل الاجتماعي نقلت الوعي في هذه الدول إلى مرحلة جديدة بلا رجعة.
اشتهرت وقتها صفحة “كلنا خالد سعيد” التي بدأت نشاطها منذ نهاية 2010 في مصر، وقبلها كانت حركة 6 أبريل عندما نظمت إضراب المحلة الشهير، لتأتي الثورة التونسية، بداية من حادثة انتحار البوعزيزي في سيدي بوزيد، وانتشار صور الإضرابات على مواقع التواصل.
لكن هذا الأمر تراجع كثيراً خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد التجارب المريرة التي خاضتها الشعوب، فأصبح فيسبوك مساحة لتفريغ الضغط، خوفاً من الاحتجاج الذي غالباً ما يكون دموياً عند انتقاله إلى أرض الواقع.
ليس ذلك جلداً للذات، فكثيرون أصبحوا يستخدمون الفيسبوك كإعلام بديل، لتدوين أفكارهم ومقترحاتهم، ورؤاهم البديلة حول اقتصادهم وسياستهم التي أضحوا لا يشاركون فيها حتى في بعض الدول التي تغيرت أنظمتها بعد ثورات دموية غيرت النسق الاجتماعي والاقتصادي في هذه الدول.
لكن هذه القوة البشرية من العصف الذهني الهائل الذي يتجاوز الآلاف من البشر، لم تصل بعد إلى صيغة تصنع من الأفكار المنبثقة عن هؤلاء الناس، عقداً اجتماعياً ينظمهم ويجمعهم.
تبرز العديد من النقاشات عالمياً حول نتائج هذه الأمواج الفكرية الكبيرة من البشر، بداية من فكرة ويكيبيديا المعتمدة على توجه الناس إلى إصلاح الأخطاء، والتي أنتجت موسوعة بشرية ضخمة، وليس انتهاء بمناقشتها فنيا مثل مسلسل الخيال العلمي “Black Mirror” في إحدى حلقات الموسم الثالث التي تتحدث عن تحول السخط في مواقع التواصل إلى “قتل” شخصية مكروهة حرفياً.
يستمر البحث اليوم عن فكرة، أو طريقة، يتحول بها هذا السخط الشعبي، حول حوادث قد تكون صغيرة ومنفردة، إلى نهج للتغيير بنفس طويل، ينقل الناس إلى صناعة تغيير أفضل، بدلاً من الاكتفاء بالتذمر بحروف معدودات، وفتح بيوت عزاء على “فيسبوك”.