حكومة صبايا
فرج عبدالسلام
“على سانا أن تطلب نصيحة الكبار”
مهاتير محمد، رئيسُ وزراء ماليزيا العتيد، وأكبرُ رؤساء الوزات في العالم سنّا (94) عاما، رأى أن سنّه المتقدمة كثيرا، كثيرا بكل المقاييس، تمنحه الحق في نثرِ نصائحه الأبوية لرؤساء الوزراء الأصغر سنا، حينما قال إنّ على رئيسة وزراء فنلندا الجديدة سانا مارين، وهي أصغر رئيسة وزراء في العالم (34 عاما)، أن “تسأل الكبار النصيحة”.
القضيةُ تحملُ عدة أبعاد ومعان. أولها قناعةٌ راسخة أن “الشيخ مهاتير” ما كان يتبرع بإسداء نصحه الثمين، لو لم يتعلق الأمرُ بامرأة تشغل المنصب الأعلى في بلدها. وبالرغم من سجلّ مهاتير المتميز في وضع بلاده على طريق التقدم الاقتصادي عندما تولى المسؤولية فيها قبل نحو أربعين عاما، إلاّ أن ما يدفع إلى التساؤل والريبةِ هو أن انتماء مهاتير إلى العالم الثالث، إلى جانب خلفيّته الإسلامية وما تفرضه من أثقالٍ على رؤيته لموقع المرأة في المجتمع، هو ما دفعه إلى موقع إسداء النصيحة البطرياركية، وليس صِغر سنّ سانا، والدليلُ على ذلك أنه لم يُسمع منه رأيٌ أو نصحٌ مشابه عندما تولّى ذكورٌ شباب، أصغر سنّا حتى من سانا، هذا المنصب الرفيع، ومنهم مستشار النمسا كورتيز عندما كان عمره 31 عاما، أو رئيس وزراء أوكرانيا أونشاروك 35 عاما، وكلها دول كبيرة ومؤثرة في العالم. وإذا صرَفنا النظر عن قضيةٍ تاريخية يعاني منها العالم، وبالأخص نحن القسم المتخلف منه، حين يعتقد المعمِّرون (نسبة إلى العمر) بأن الحكمة والرشد وحسن التصرف في مواقع المسؤولية، تقتصر عليهم دون سواهم وتغيب عن الشباب، وهي نظرية غير صحيحة دائما، حيث عانت بلدان كثيرة من سطوة كبار السن وغياب حكمتهم، وأقرب الأمثال نجده في جزائر بوتفليقة، وموزمبيق موغابي،والقائمة تطول. فلا يجب أن نغفل عن المعاني المُضمَرةِ في نصائح الشيخ مهاتير. وعلى الرغم من أن المرأة في العوالم المتطورة شقت طريقها بالعزيمة وبالعقل لتنتزع مكانها بين الذكور، بفعل تراكم نضال تاريخي منذ عصر النهضة في أوروبا، إلا أن النساء في جانبنا من العالم، ما زلن محاصرات بسطوة نون النسوة، وبفكر تاريخي متجذر يرى فيهن ناقصات عقل ودين، مهمتهن لا يجب أن تخرج عن كونهن مصدرا للمتع الحسّية والاستيلاد.
لقد فعل الفكر الوهابي فعله في كل المجتمعات الإسلامية بنظرته الدونية للمرأة في الإسلام. حيث سيطر دعاته على عقول ملايين المريدين وبالأخص على الشباب منهم، الذين يُبدون انبهارهم بكل ما يصدر عن شيوخهم، فتصلهم فتاواهم وآراؤهم في لمح البصر، بفعل نظام الاتصالات العجيب الذي بالطبع اخترعه الكفار. وأصبحوا عبيدا لهم يتلقفون كل ما يصدر عنهم وكأنها وصايا من السماء. وقد ربط الكثيرون بين العبودية لرجال الدين، وبين ما عانته المجتمعات العربية / الإسلامية من سطوة الاستبداد وحكم العسكر التي تحاول الثورة عليه الآن. لكن العجيب أن الوهابية بدأت تأفلُ تدريجيا في موطنها الأصلي، وتنمو وتنتعش في الفروع، وآخر تجلياتها هجوم وهابيين مسلحين على عَرضٍ مسرحيّ في طرابلس الليبية، وإيقافه بحجة الاختلاط. والذي يقودنا إلى تساؤل بسيط.. ماذا لو تم تعيينُ وزيرة للداخلية كما في لبنان، أو ماذا لو كانت الحقائب الوزارية مناصفة بين الذكور والإناث، وعلى رأسهم جميعا امرأة، هل سنقول عندها إنها (حكومة صبايا)؟.