حكاية القذافي مع السادات.. تعود للواجهة
كشف كتاب “الملاك” لصاحبه، يوري بار- جوزيف، الذي لا زال يُثير الجدل في الأوساط العربية والغربية، حول شخصية أشرف مروان، صهر الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر والمستشار بعدها في مكتب الرئيس أنور السادات، لعدّة ملفات شائكة لا زال البحث فيها ساريا حتى يومنا هذا، من بينها علاقة أشرف مروان مع نظام معمر القذافي وعبدالسلام جلّود.
وأوضح الباب السادس في الكتاب الذي حمل عنوان: “مبعوث السادات للشؤون الخاصة”، الحوار الذي دار بين عبدالسلام جلود، الذي وصفه الكاتب بأنه الذراع الأيمن لمعمر القذافي في فترة السبعينيات، وبين وزير الدفاع المصري حينها في العام 1973، الفريق أحمد إسماعيل، عند زيارة جلّود للقاهرة: “احتدم الجدال أثناء الحديث بين الشاب الليبي والوزير المصري، الذي أمضى جل حياته في الخدمة العسكرية وهو الآن في منتصف الخمسينيات، بشأن مدى نوع معين من صواريخ أرض- أرض. كان رأي إسماعيل أن المدى هو 40 كيلو مترا، بينما قال جلّود إنه يبلغ أربعة كيلومترات فقط”.
وواصل الكاتب سرده لهذا الحوار، إلى النقطة التي تسببت بوقف المباحثات المصرية الليبية، حين قال إسماعيل لجلّود: “أنا خضت ثلاثة حروب حين كُنت أنت لا تزال صبيًا، فردّ جلّود قائلا: إن تلك الحروب كانت فاشلة جميعها، وأسباب فشلها يرجع إلى التفاصيل الخاطئة التي كان الضباط العسكريون يقدمونها لقادتهم”، الأمر الذي جعل وزير الدفاع المصري يُهدّد عبدالسلام جلّود أمام أشرف مروان الذي كان حاضرا في الاجتماع،” إذا لم يغلق هذا الصبي فمه سألطمه بحذائي”.
وذكر “الملاك” في سرده، أن أشرف مروان حاول احتواء الموقف وتهدئة الطرفين، لكنه فشل بعد أن غادر جلّود القاهرة، وتبعه مروان إلى طرابلس، وهناك، اصطدم بتوقّف وتعقيد الموقف المصري الليبي، بعد أن أرسل معمر القذافي مع أشرف مروان رسالة إلى أنور السادات تقول: الليبيون يطلبون طرد إسماعيل إن رغبتم في استئناف المحادثات.
واستدعى الكتاب، في الباب الثامن الذي كان عنوانه: التحضيرات النهائية وفاصل في روما، حادثة الطائرة الليبية التي أسقطتها إسرائيل في فبراير 1973، فوق سيناء المصرية، في الصفحة مائتين:” دخلت طائرة بيونغ 727، الرحلة 414، القادمة من بنغازي إلى القاهرة، المجال الجوي فوق سيناء. فانطلقت مقاتلتان إسرائيليتان لاعتراض الطائرة، وتمكنت من الاتصال معها عند الثانية عصرا تقريبا..” وتابع الكتاب: “ظهر الأمر في البداية وكأن الطيار الليبي يتبعهم، لكن مع اقترابهم من القاعدة الجوية، انحرفت الطائرة غربا باتجاه السويس”. ما جعل الإسرائيليين يقصفون الطائرة، وأدّى ذلك إلى مقتل 105 من رُكّابها، من أصل 122 راكب، من بينهم صلاح بويصير، وزير الخارجية الليبي الأسبق.
وهو الأمر الذي جعل القذافي يصطدم مع أنور السادات، بعد أن اعتبر الحادثة لم تكُن لتحدث إن تدخل السادات، وتحكّم في مظلة صواريخ سام المصرية، وأمر بتغطية الطائرة الليبية في حالة أي هجوم عليها، لكون المنطقة كانت تخضع لحظر جوي.
وفي سياق حديث الكاتب، جوزيف، أضاف في موضوع الطائرة الليبية، “دخل الديكتاتور في حالة ضعف وإحباط واكتئاب، وعدم قدرته على الثأر، وذهب حينها إلى الصحراء لينشد العزلة بعيدا عن طرابلس”.
وتناول الكتاب أيضا العلاقة المعقدة التي ربطت معمر القذافي وأنور السادات، في بداية السبعينيات، وكيف كان السادات يبحث عن السلام وعن أقلّ الخسائر في حربه مع إسرائيل، والقذافي عكسه، يُحاول إشعال الحرب وإدخال المنطقة في دوّامة من الفوضى، كانت المنطقة في غنى عنها، خصوصا أن تلك الفترة، كانت شديدة الحساسية ومفصلية، بالنسبة لمصر وسوريا والمنطقة بأسرها.
وفي سياق الكتاب وما جاء فيه، عرضت شركة نتفليكس، فيلم الملاك، يوم الجمعة الماضية، المأخوذ من ذات الكتاب وما جاء فيه من تفاصيل، وكانت لعلاقة القذافي بالسادات نصيبًا في الفيلم الذي مازال يُعرض في نتفليكس، ولم ينتقل بعد إلى دور العرض، وتناول شخصية العقيد “البدوي” الذي يحلم بدولة وفق خياله، وكيف كان الحوار الأول بينه وبين أشرف مروان الذي عيّنه السادات، المسؤول الخاص للشؤون الليبية في ذلك الوقت، وبين القذافي الذي كشف في الحوار، تفاصيل “الكتاب الأخضر” الذي سيُنقذ البشر، لكونه سيكون “الإنجيل الجديد” بحسب وصف القذافي في الفيلم.
وتابع الفيلم في عرض المشهد، الذي كان يوحي بأن القذافي كان يعيش زمن “سندباد” أو “زمن الجواري” المُحيطة بهِ مع الموسيقى الشرقية المصاحبة للمشهد، في إيحاء غير مُعلن من منتج الفيلم ومخرجه، أن القذافي كان خارج الزمن الذي يعيشه، وأنه لم يكن يقرأ الواقع المحيط به قراءة واقعية، خصوصًا أن الشرق الأوسط كان يغلي ويخوض الحروب، والقذافي يعيش حياته وفق رؤيته الخاصة.
وبالعودة إلى قضية أشرف مروان، في فيلم “الملاك” فور عرضه، انهالت الاتهامات على منتجي الفيلم من المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أطلق نشطاء على تويتر، هاشتاق #اشرف_مروان_بطل_مصري، في ردٍّ على ما احتواه الفيلم من أحداث حول علاقة مروان بإسرائيل، ونشر آخرون صورا تجمع السادات مع جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر، وصور أخرى كُتب عليها: “نحن من وضع قواعد اللعبة”.