حصاد الأسبوع الإخباري
لا يزال الحراك الدبلوماسي الإيطالي مستمراً، في مناوراته المحمومة؛ ليثبت للعالم قدرَته على إدارة الأزمة الليبية بكامل تفصيلاتها المليئة بالتعقيدات، والتي قد تجعل من الوصول إلى حلّ لها أمراً بعيد الأمد، مع تركيز إيطاليا على كلِّ ما من شأنه أن يثبت حنكتها الدبلوماسية، ويقطع الطريق أمام فرنسا التي تَعُدُّها المنافس الأول للاستحواذ على الملفّ الليبي بالكامل، مستغلّة الفشل الفرنسي في الوصول باتفاق باريس إلى مرحلة التطبيق الفعلي، وجعله أمراً واقعاً.
إيطاليا تسابق الزمن لإنجاح باليرمو
وإلى جانب هذا السباق الذي تخوضه إيطاليا مع فرنسا في مضمار ملفّ الأزمة الليبيّة، وجدت الخارجية الإيطالية نفسها في ماراثون صعب مع الزمن، قد يُودي بسمعتها إلى الضياع، ويضعها في خانة الفشل؛ إن لم تحرز فيه النتيجة المطلوبة، إذ إنَّ الوقت المتبقّي لموعد انعقاد المؤتمر الدولي الذي تتبناه إيطاليا حول ليبيا في باليرمو المحدد يومَي 12/13 نوفمبر المقبل، قد لا يكون كافياً، لاستكمال الاستعدادات والتجهيزات اللازمة، وعلى رأسها التدابير والإجراءات الأمنية اللازمة لاستقبال هذا الحدث الدولي الضخم، خصوصاً أنَّ المستهدفين بالمشاركة هم رؤساءُ الدولِ العظمى، الذين لهم تأثير على الملف الليبي بأيِّ شكلٍ من الأشكال.
هذا الضيق الزمني فتح الباب أمام دبلوماسيين ورجال مخابرات ومراقبين للتشكيك في احتمالية نجاح المؤتمر، ومنح المشككين بالدور الإيطالي أو الرافضين له، فرصة كافية للنيل من الدبلوماسية الإيطالية، ومحاولة إفشال مساعيها لتحقيق خطوة إيجابية قد تجعل منها الأجدر بإدارة الملف الليبي دون غيرها، وما يزيد الأمر صعوبة أن لا تقتصر الأصوات المشكّكة على المنافسين للدور الإيطالي والرافضين فقط، بل قد تمتدّ إلى الداخل الإيطاليّ نفسه، لتصل إلى أبرز الشخصيات التي يفترض أن يكون لها دور مهم في الإعداد لهذا المؤتمر، فتشكيك رئيس الاستخبارات الإيطالية الخارجية “ألبرتو مانينتي” في قدرة بلاده على تنظيم هذا المؤتمر، أعطى دافعاً قوياً لمجاهرة آخرين بضعف الدبلوماسية الإيطالية في احتضان هذا المؤتمر، ما يجعل نسبة نجاحه ضئيلة جداً.
ورغم سعي إيطاليا لتأمين مشاركة أكبر زعيمين عالميين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب، فإنّ مشاركتهما لم تتأكد بعد، إذ أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن مشاركة بلاده في المؤتمر، إلا أنه لم يحدد مسألة ترؤّس بوتين وفد بلاده من عدمها، فيما لم تعلن فرنسا موقفها بعد من المشاركة فيه بعد توجيه رئيس الوزراء الإيطالي “جوزيبي كونتي” الدعوة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمشاركة.
وترى إيطاليا في المؤتمر، وإن لم يحقق النتائج المرجوة من عقده، فرصة العمر لتوضيح رؤيتها المختلفة تماما عن رؤية الفرنسيين في ليبيا، بالأخص ما يتعلق بجزئية الانتخابات التي تقاتل روما لتحقيق انتصار سياسي يتمثل بتأجيلها، ويبقى سباق الزمن هو الفيصل أمام الإيطاليين.
الدور المصري من جديد
في خطوةٍ رآها مراقبون استباقية لمؤتمر باليرمو، أعلنت الخارجية الجزائرية عن عقد اجتماع ثلاثي بشأن ليبيا نهاية الشهر الجاري في العاصمة المصرية القاهرة بمشاركة تونس والجزائر ومصر.
وأكّد وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل مشاركته في الاجتماع مع نظيريه المصري سامح شكري والتونسي خميس الجهيناوي، لبحث الملف الليبي، ولا تأكيدات عن أجندة هذا اللقاء، إن كان لطرح مبادرات جديدة تأتي بحلول فعليّة وجذرية للملف الليبي، أم أنّه لتحديد آليات مشاركة الدول الشقيقة والحدودية مع ليبيا في مؤتمر باليرمو، وإيجاد صياغة موحدة ورؤية مشتركة تُطرح باسم هذه الدول فيه.
مسمار بريطاني أمريكي
وفي الوقت ذاته، لاقت الدعوات لتعيين جيفري فيلتمان مستشارا ثالثا لغسان سلامة ومسؤولا عن الحوار الليبي، ردود فعل ليبية رافضة، أبرزها ما وردَ على لسان مندوب ليبيا السابق في الأمم المتحدة إبراهيم الدباشي، الذي اتّهم فيلتمان بالقيام من خلال موقعه كوكيل للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، ومسؤولا عن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بتوجيه المبعوثين الأممين بما يخدم السياسات البريطانية والأميركية في المنطقة، القائمة على استدامة الفوضى في ليبيا، وتأجيل الحلول.
يشار إلى أن فيلتمان شغل في أبرز مواقعه، منصب سفير الولايات المتحدة في لبنان للفترة الممتدة من العام 2004 إلى العام 2008 ومن ثم مساعدا لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ، ليتنقل بعدها في وظائف عدّة، آخرها وظيفته الحالية وكيلا للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية ، ومسؤولا عن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
تخوّف بريطاني من الدور الروسي
وعلى صعيد الصراعات الدولية على الأرض الليبية، يبدو أن دعوة رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله الشركات الروسية ، للعودة إلى ممارسة أعمال التنقيب في الحقول النفطية الليبية، قد أثارت حفيظة الاستخبارات البريطانية، التي أكّدت في تقرير بعثت به إلى رئيسة الوزراء تيريزا ماي، وكشفت صحيفة “ذي صن” عن جوانب مهمة منه، أنَّ هذا النشاط الاقتصادي الروسي يغطّي وراءه وجود قاعدة عسكرية روسية في الشرق الليبي، تسعى من خلالها موسكو الى الهيمنة على مسارات الهجرة غير الشرعية، وإحداث تأثيرات سلبية على القارة الأوروبية.
ويرى المراقبون أن بريطانيا والدول الأوروبية ما زالت تستخدم ورقة الهجرة غير الشرعية في الضغوط السياسية الدولية، وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية عدّة من ورائها، فضلاً عن استخدامها فزّاعة، وأداة تشويش متى استدعت الضرورة .
وجاء الرد الروسي على هذا التقرير على لسان المتحدث باسم السفارة الروسية في لندن الذي وصفه بمحاولة لتحميل روسيا التي لم تشارك في الهجوم العسكري للناتو عام 2011 مسؤولية الدمار الذي لحق بليبيا وشعبها.
وأتت هذه التطورات في وقت أعلنت فيه شركتَي إيني الإيطالية و”بي بي” البريطانيّة موافقة الأولى على شراء نصف حصّة الأخيرة من رخصة الاستثمار في قطاعي النفط والغاز في ليبيا البالغة نحو 85% من حجم القطاعين، وهو ما يعني منح إيطاليا ورقة مهمّة للعبها مع اللاعبين الدوليين الكبار في ليبيا.
مساعٍ لتغيير الرئاسي
وفيما يتعلق بموقف المجلس الأعلى للدولة من الآلية التي أحالها له البرلمان لإعادة هيكلة المجلس الرئاسي من خلال ترشيح شخصيات من أقاليم البلاد الثلاثة “طرابلس وبرقة وفزان”، وتفويض رئيس لجنة الحوار النيابية عبد السلام نصية للتوافق على الاختيار، أكد عضو المجلس عمر بوشاح في تصريح خص به قناة 218 موافقة المجلس الأعلى للدولة على الآلية، وإحالتها إلى لجنة تعديل الاتفاق السياسي وتحديد جلسة يوم الاثنين المقبل عليها.
تعديلات الرئاسي.. المبرر والتوقيت
وبالانتقال إلى مسألة التعديلات الوزارية الأخيرة التي أجراها المجلس الرئاسي، وأبعادها السياسية داخليا وخارجيا، لاسيما في ظل عدم رضا البعثة الأممية، والكثير من الشرائح الليبية على أداء هذا المجلس، وتوافق البرلمان والمجلس الأعلى للدولة على استبداله، فقد كثرت الأقاويل بشأن وجود صفقات يقوم بها الرئاسي؛ لقطع الطريق أمام استمالة الطرف المناوئ للسراج لتكتل سياسيي مصراتة من خلال جعل رئيسه وأكبر الشخصيات النافذة فيه منذ العام 2011 فتحي باشآغا وزيرا للداخلية، فضلا عن السعي لاسترضاء تيار العدالة والبناء من خلال تعيين علي العيساوي وزيرا للاقتصاد في وقت بات فيه معلوما الجهات الخارجية الداعمة للتكتل والتيار.
توتر العلاقة بين البرلمان والجيش
وشهدت العلاقة بين الجيش الوطني والبرلمان نوعا من التوتر على خلفية إقرار الأخير قانون الاستفتاء على مسودة الدستور من خلال استخدام آلية التوقيع بالموافقة عوضا عن التصويت برفع الأيدي داخل قبة البرلمان، فقد أكد الناطق باسم الجيش الوطني العميد أحمد المسماري أن قانون الاستفتاء صدر ولا أحد يعلم إن كان المال والمصلحة لهما دور فيما لا يمكن القبول بضياع حقوق أي إقليم من أقاليم ليبيا، لاسيما من ضحوا لتحرير ليبيا من الإرهاب، إذ يضيع هذا الدستور حقوق أقاليم لتكون فئة معينة في الحكم.
وتابع القول إنّه إذا أراد الشعب هذا الدستور، فسيتم ذلك وإن قال لا له، وهو ما يعوّل عليه، ستكون العودة إلى الانتخابات دون إعادة الدستور للجنة السابقة.
عشماوي وأطفال درنة
وعلى الصعيد العسكري حقق الجيش الوطني انتصارا جديدا تمثل بإعتقال أحد أبرز رؤوس الإرهاب، المصري هشام عشماوي، الذي أُعلن عن اعتقاله منذ يومين بمدينة درنة، في عملية خاطفة قام بها الجيش الوطني الليبي .
ولا يعدّ القبض على عشماوي انتصاراً عسكرياً ميدانياً فقط ، بل كان رداً كافياً، على من يمارسون الإرهاب السياسي في ليبيا، والذي لا يقلّ خطراً عن الإرهاب الميداني، وجواباً شافياً على كل من يشكك في حرب الجيش الليبي على الإرهاب، وإسكاتا للناعقين المنادين بإنقاذ أطفال درنة وبنغازي، في اتهام صريح للجيش بأنّه يمارس حرباً على المدنيين بهدف بسط نفوذه على المنطقة.
كما أظهر وجودُ عشماوي في درنة، حقيقة وجود إرهابيين مصريين ومن جنسيات أخرى، يتولّون قيادة العمليات الإرهابية في الشرق الليبي، وفي العمق المصري على حد سواء، الأمر الذي يجعل من الدعم المصري للجيش الليبي أمراً مبرراً ومنطقياً، كما يمنح الحق للجيشين بالتعاون بشكل معلن وقانوني، ويقطع كلّ الألسن المشكّكة بنظافة هذا التعاون ومصداقيته، لتحقيق مصلحة وأمن البلدين.