«حزب الله» و«داعش».. عودة «الحُميْمة»!
رشيد الخيّون
أثار اسم «الحُميْمة» الذي تداول في أخبار اتفاق «حزب الله» و«داعش» الأخير، الفضول. فالاسم ملأ كتب التاريخ، في نقل الثورة من العلويين ممثلين بأبي هاشم بن محمد بن الحنفية (ت 99هـ) إلى العباسيين ممثلين بمحمد بن علي بن عبد الله بن عباس (ت 125هـ)، فنطق الأخير باختيار اثنى عشر نقيباً من سبعين، ونجحت الثورة بقدوم الرايات السُّود من خراسان، وحصل انتقال الخلافة بهاشمية الكوفة (132هـ). وها هو «حزب الله» و«داعش» يعيدان الحُميْمة إلى الواجهة، ومن ينظر في هذه التنظيمات، وعلى الجغرافيا نفسها، لا يشك بعودة التاريخ، وبحوادث متماثلة.
اختلف العراقيون إزاء الاتفاق، الشيعة السياسيون على وجه الخصوص، لأنه قضى بنقل مقاتلي «داعش» إلى الحدود العراقية، وواضح أن ردة الفعل أفرزت المواقف بين الوطنية العراقية، والطائفية والتبعية الخارجية، فمن المعلوم أن «حزب الله» لبناني إيراني، لبناني في العدد والأرض، وإيراني في العدة والعقيدة. هذا ما ورد على لسان حسن نصر الله، في لحظة انفعال (24/6/2016) بمناسبة تأبين أحد قادته قُتل بسوريا: «موازنة «حزب الله» ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من إيران». بمعنى أن الاتفاق مع «داعش» لم يكن خارج الإرادة الإيرانية بشكل من الأشكال.
إزاء هذا الفعل انقسم شيعة السياسة إلى قسمين، وطني مثَّله رئيس الوزراء حيدر العبادي، واصفاً الاتفاق بأنه «غير مقبول»، جاء ذلك ضد ما صرح به أمين عام حزبه («الدَّعوة الإسلامية») نوري المالكي الذي وصف مَن وقف ضد الاتفاق بـ «الجهلاء». كذلك عارض الاتفاق التيار الصدري وقوى شيعية ليست قليلة.
ما يفسر هذا الاتفاق، وحصره، حسب خطاب نصر الله، بإنقاذ الجنود اللبنانيين من أسر «داعش» إنْ كانوا أحياء، أو حمل جثامينهم إنْ كانوا أمواتاً، أنه محاولة لتحسين صورة الحزب بين اللبنانيين، بعد ورطته باجتياح بيروت (7/5/2008) كردة فعل على قرار الحكومة آنذاك بمصادرة سلاح الإشارة للحزب، وإقالة قائد جهاز أمن المطار. في تلك اللحظة استيقظ الكثير من اللبنانيين من سكرة انتصارات الحزب، ليرونه قد انتصر عليهم في تلك الغزوة.
أما الأمر الآخر الذي بدّل صورة الحزب في عيون اللبنانيين، فهو مشاركته في الحرب دفاعاً عن «البعث» السوري الذي ظل ينفيها حتى أخذت توابيت قتلاه تصل لبنان، ثم ظهور «النصرة» وبعدها ««داعش»» فبرر وجوده بالحرب على التكفيريين. لذا جعل «حزب الله» هذا الاتفاق من أجل لبنان واللبنانيين، وأنه ليس بين حدود لبنانية وعراقية إنما تم داخل الأرض السورية.
يعلم العراقيون من مؤيدي فعلة «حزب الله» أن هذه الأرض السورية، وحيث استقر أتباع «داعش»، قد دخلت منها جحافل الإرهابيين إلى العراق، بعد استقبال وتدريب، وأشعلت بغداد وبقية المدن بنيران حرب شعواء، راح ضحيتها الآلاف المؤلفة. فمؤيد الاتفاق نوري المالكي نفسه أعلن تقديم شكوى للأمم المتحدة ضد سوريا، لكن ما أن خرج الجيش الأميركي (2011)، حتى تبدلت النفوس والعواطف، ليصبح الشعار، وعلى لسانه: «قادمون يا حلب»!
حينها كان القيادي في «حزب الله»، محمد كوثراني، بعمامته البيضاء يخطب وسط كربلاء لتجنيد الشباب، بذريعة حماية المراقد، ومثل ذلك بدور العباس بن علي (قُتل 61هـ) في وقعة كربلاء، ففي المأتم الحسني تأتي مناشدة مؤثرة من زينب (ت 62هـ) لأخيها العباس. هكذا أخذوا يهزون المشاعر، ويتوسعون بتأسيس الميليشيات.
كان الرد العراقي شديداً ضد «حزب الله»، الذي عُد خطاً أحمر، وصور نصر الله وخامنئي والخميني تملأ الشوارع، لكن كسر حاجز الخوف أتاح مراجعة التحالفات على أساس العقيدة المذهبية، والتي انطلق منها الطائفيون، بجرأة على الدم العراقي، بتأييدهم لفعلة «حزب الله»، والتي هي إيرانية قبل كل شيء. فما قاله نصر الله قُبيل وفاة الخميني (1989)، لم يتراجع عنه، وهو «أن يكون لبنان ليس جمهورية إسلامية واحدة، وإنما جزءاً من الجمهورية الإسلامية الكبرى، التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه الإمام الخميني»! ويعني التراجع عن هذا المبدأ إلغاء الحزب نفسه، وتحول نصر الله إلى صف الشيخ صبحي الطفيلي، الذي كشف المستور، وهو أول أمين عام للحزب، فكان خروجه خروجاً عن ذلك المبدأ.
عودة إلى الحُميْمة، باتفاق ماضيها واتفاق حاضرها، وهي الواقعة «على أطراف الشام» (الحموي، معجم البلدان)، حينها كان العباسيون أمل العراقيين، لكنها فترة وجيزة حتى قال قائلهم أبو عطاء السندي (ت 180هـ): «يا ليتَ جَور بني مروان عاد لنا/وأن عدلَ بني العباس في النار» (ابن قتيبة، الشعر والشعراء). أقول: لا تغتروا لطائفية، وتبتعدوا بها عن وطنكم إلى خارج الحدود، فتلك جماعات واحدة، يتساوى عدل هذه وجور تلك.