حزب التحالف .. من الرابح الأكبر إلى المشاركة الصفرية
أحمد البخاري
في مفاجأة أذهلت الجميع وقتها في انتخابات سنة 2012 في ليبيا، وبعد فوز الإخوان في انتخابات مصر وتونس، فاز حزب التحالف بقيادة محمود جبريل بـ39 مقعداً من ضمن 80 مقعداً مخصصاً للأحزاب في الانتخابات، وهي نسبة تقترب من الـ50%، بينما لم يفز حزب العدالة والبناء بأكثر من 17 مقعداً، أما اليوم ففي قائمة لجنة الحوار التي طرحتها بعثة الأمم، فهناك على الأقل 7 أسماء للعدالة والبناء وصفر مشاركة من قبل التحالف.
منذ انطلاق حزب التحالف بقيادة محمود جبريل، كان من الواضح أن الفكرة التي طرحها قائده تستهوي الليبيي، وقد تركزت فلسفة محمود جبريل التي روّج لها لأساس حزبه هي فكرته الأساسية التي كررها دائماً وهي “نحن في زمن ما بعد الأيديولوجية، نحن في زمن المعرفة” أي أنه علينا أن ندير الدولة بالمعرفة والحقائق والإحصائيات ونعتمد على التنمية لا على أفكار أيدولوجية خيالية أو طوباوية، والحقيقة أن من يقرأ بين السطور يعرف أن الكلام كان موجهاً بطبيعة الحال للأيديولوجية الوحيدة الرائجة لدينا، أيديولوجية الإسلام السياسي.
ورغم تصنيف التحالف من المراقبين والمحللين بأنه حزب ليبرالي، بل قد ركز خصومه الإسلاميون على كونه علماني وضد الدين، لكن التيار التقدمي والعلماني على الرغم من محدوديته كان دائم الريبة من حزب التحالف باعتباره يساند مادة “الشريعة الإسلامية” أحد مصادر التشريع في الدستور، وباعتبار أن رئيسه أكد أكثر من مرة أنه ليس علمانيا، كما أنه كانت هناك شبهات تدور حول توجه الحزب العروبي رغم وجود العديد من الأمازيغ داخل الحزب، أيضاً الحزب يتلقى تأييدا لا بأس به من رموز التيار الصوفي، لكن رغم اختلاف الآراء حول الحزب، كان للحزب حقيقة واحدة، أنه تحالف ضد تيار الإسلام السياسي بتصنيفاته المختلفة بدءا من الإخوان وانتهاء بفكر القاعدة.
حدثت أخطاء كبيرة من حزب التحالف، هذا لا شك فيه، من أهمها حسب وجهة نظري أن الحزب لم يكن له تاريخ حزبي، بل جاء في بدايته عن طريق مجموعة تحالفات سرعان ما انفرطت، ولأنه لا تاريخ للحزب، فالفكرة الأساسية لمؤسس الحزب ومفكره لم تصل، ولم يتشربها أعضاء الحزب، ولا أعرف إن كان أعضاؤه الحاليون قد فهموا فكرة منظرهم أم ليس بعد.
لكن السبب الأكبر الذي في نظري جعل حزب التحالف يحصل على الرقم صفر في التمثيل السياسي، ليس فقط موت مؤسسه بكل تأكيد، بل بسبب المناخ السياسي الليبي الذي أصبح عنوانه هو الاحتكام للسلاح منذ أول لحظة اقتحم فيها مسلحون ثوريون قاعة المؤتمر الليبي ليفرضوا قراراتهم على من انتخبهم الشعب، عندها انتهى كل شيء، ومعه انتهى عصر التجربة الحزبية الديمقراطية التي لم تدم سوى أشهر قليلة.
الآن، لدى القائمين على حزب التحالف، والذين حصلوا في لحظة تاريخية على رمز يمكن أن يصنعوا من خلاله “سردية تاريخية” تربط أفكارهم من جديد، لديهم الآن فرصة أخيرة ليكونوا رقما انتخابيا صعبا من جديد، لكن هذا في رأيي لن يتحقق إلا عن طريق إعادة لصياغة فكرة الحزب وتأسيس كوادرهم من جديد على شيئين اثنين مهمين، منهج فكري أساسه فكرة المعرفة بديلاً لأيديولوجية الإسلام السياسي، والثانية التأكيد على فكرة المواطنة والمساواة المجتمعية. عندها في رأيي سيكون التحالف ظاهرة حزبية فريدة من نوعها، ورقما صعبا في عالم السياسة في المنطقة ككل.