حدود الدم: من أجل شرق أوسط أفضل (1)
رالف بيتيرس
ترجمة: عمر أبو القاسم الككلي
رالف بيتيرس Ralph Peters مقدم متقاعد ومجند سابق في الجيش الأمريكي واستراتيجي مثير للجدل ومحنك في عالم الاستخبارات. وكاتب روايات تدور في أجواء الحروب والاستخبارات.
من وجهة نظرنا، فإن “فضيلته” البارزة هي وقاحته البالغة! التي يفضح فيها، من خلال كتاباته في الشؤون العسكرية، ما يدور في دهاليز صنع القرار المتصفة بالسرية أو ما يقاربها.
المقال الذي نترجمه هنا منشور 1 يونيو 2006 يرسم فيه خريطة لما يرى أنه ينبغي أن يكون عليه الشرق الأوسط الجديد. فهل ما يحدث الآن في اليمن وسوريا وليبيا يعد خطوات أولى على طريق هذا المخطط. (المترجم)
الحدود الدولية ليست عادلة تماما. إلا أن درجة الغبن التي تلحقها بأولئك الذين تصنع قوة حدودهم مجتمعة أو منفصلة فارقا هائلا يكون، عادة، بين الحرية والقمع، التسامح والبغض، حكم القانون والإرهاب، أو حتى السلم والحرب.
أكثر الحدود تشوها واعتباطية في العالم هي في أفريقيا والشرق الأوسط. الحدود الأفريقية التي رسمها الأوربيون وفق مصالحهم الخاصة (الذين كانت لديهم متاعب كافية بصدد تعريف تخومهم هم أنفسهم) مازالت تحدث ملايين الموتى بين السكان المحليين. إلا أن الحدود غير العادلة في الشرق الأوسط – وبالاستعارة من تشرشل – تولد مشاكل أكثر مما يمكن امتصاصه محليا.
بينما لدى الشرق الأوسط مشاكل أكثر بكثير من الحدود ذات الخلل الوظيفي وحده – بداية من الركود الثقافي مرورا بعدم المساواة الفضائحية وصولا إلى التطرف الديني – فإن المحرم الأكبر المروع، وفي نفس الوقت المقدس، في النضال من أجل فهم إخفاق المنطقة الشامل، ليس هو الإسلام، ولكن عبادة الحدود من قبل دبلوماسيينا.
وبالطبع فإن أية تسوية للحدود، مهما كانت دقيقة، لن ترضي بعض أقليات الشرق الأوسط. ففي بعض الحالات تعيش المجموعات الإثنية [العرقية] والدينية متداخلة وبينها تزاواج. في أمكنة أخرى، إعادة التوحيد المؤسس على رابطة الدم أو المعتقد قد لا يبرهن على أنه مبهج تماما مثلما يتوقع نصراؤهم الحاليون. الحدود الحالية الظاهرة في الخرائط المرافقة لهذا المقال* تُقوِّم الأخطاء التي عانت منها المجموعات السكانية الأكثر عرضة للـ “خديعة” مثل الأكراد والبلوش والعرب الشيعة، إلا أنها ما زالت تخفق في التعامل بشكل منصف مع مسيحيي الشرق الأوسط والبهائيين والإسماعليين والنقشبنديين، وأقليات صغرى أخرى. وأحد الأخطاء المزعجة الذي لا يمكن إصلاحه من خلال المكافأة بالأرض: الإبادة الجماعية التي ارتكبت ضد الأرمن من قبل الإمبراطورية العثمانية المحتضرة.
ومع ذلك، فرغم كل المظالم التي تتركها الحدود المتخيلة هنا دون إصلاح، فإنه دون تعديل الحدود الكبرى لن نرى شرقا أوسط أكثر سلاما.
حتى أولئك المبغضون لموضوع تغيير الحدود سيساعدهم هذا على الانخراط في تمرين يحاول تصور حدود وطنية معدلة وأكثر عدلا، حتى وإن لم يكن كاملا، بين البوسفور ونهر السند. القبول بفن إدارة الدولة العالمي هذا لم يسبق له أن طور أدوات فعالة – تقترب من الحرب – لإصلاح الحدود الخاطئة، وهو جهد عقلي للقبض على حدود الشرق الأوسط “العضوية” يساعدنا دون شك على فهم مدى الصعوبات التي نواجهها وسنظل نواجهها. إننا نتعامل مع تشويهات هائلة من صنع الإنسان لن تتوقف عن توليد الكره والعنف مالم تصحح.
بالنسبة إلى أولئك الذين يرفضون التفكير في غير المفكر فيه، معلنين أنه لا ينبغي تغيير الحدود ويجب الإبقاء عليها كما هي، عليهم تذكر أن الحدود لم تتوقف عن التغير عبر القرون. لم تكن الحدود ثابتة يوما، وحدود عديدة من الكونغو مرورا بكوسوفو وصولا إلى القفقاس تتغير الآن (مثلما يشيح السفراء والممثلون الخاصون أعينهم عن دراسة الضوء الواقع على أطرافهم).
سر آخر صغير بغيض وقع منذ 5000 سنة: التغير الإثني فعال.
فلنبدأ بموضوع حدودي أكثر حساسية لدى القراء الأمريكان: كي يكون لإسرائيل أي أمل للعيش في سلام معقول مع جيرانها، عليها العودة إلى حدود ما قبل 1967 – مع تسويات محلية أساسية متعلقة بالاهتمامات الأمنية المشروعة. لكن موضوع الأراضي المحيطة بالقدس، المدينة الملطخة بالدم على مدى آلاف السنين، قد تظل مستعصية على الحل في زمننا. فحيثما تُحوِّل كل الأطراف إلهها إلى زعيم عزبة، فإن المعارك الفعلية تكون ذات تماسك منقطع النظير بسبب الشره المحض للثروة النفطية أو النزاعات الإثنية. لذا، فلنضع هذا الموضوع المفرد الذي درس أكثر مما ينبغي جانبا لصالح تلك المواضيع التي تجاهلتها الدراسات.
* توجد خرائط في الأصل الذي ترجمنا عنه.