حاميات الأقدام بين الشفافية والإعتام
عمر أبوالقاسم الككلي
من أطرف المشاهد التي أتذكرها من مشاهد مسلسل “افتح يا سمسم” في نسخته العربية، مشهد ذلك العالم الذي يعيش منعزلا في جزيرة قصية ويطلب حضور وسائل الإعلام ليكشف لهم عن اختراع جديد يفيد البشرية اسمه “حاميات الأقدام”. وحين تحين لحظة الكشف يتضح أنه يقصد “الجوارب” وأنها اختراع موجود ومعروف ومتداول قبله منذ زمن بعيد.
في اللسان يرد:
والجَوْرَبُ: لِفافةُ الرِّجْل، مُعَرَّب، وهو بالفارسية كَوْرَبٌ؛ والجمع جَواربةٌ؛ زادوا الهاءَ لمكان العجمة، ونظيره من العربية القَشاعِمة.
وقد، قالوا الجَوارِب كما، قالوا في جمع الكَيْلَجِ الكَيالِج، ونظيره من العربية الكَواكب.
واستعمل ابن السكيت منه فعْلاً، فقال يصف مقتنص الظباء: وقد تَجَوْرَبَ جَوْرَبَيْنِ يعني لبسهما.
وجَوْرَبْته فتَجَوْرَبَ أَي أَلْبَسْتُه الجَوْرَبَ فَلَبِسَه.
هذا يعني أن كلمة “جورب” حتى وإن كانت ذات أصل فارسي، دخلت اللغة العربية منذ زمن بعيد. وأن الجورب كان معروفا حينها بصورة تقترب من الصورة التي نعرفه عليها اليوم.
ويحتمل أن يكون الجورب أول قطعة لباس صنعها الإنسان وداومت على الوجود حتى يوم الناس هذا. إذ يعود تاريخ ظهورها إلى العصر الحجري، حوالي 5000 سنة قبل الميلاد. حيث ابتدعها أسلافنا سكان الكهوف. لم تصلنا جوارب من تلك الفترة، إلا أن المتخصصين في الدراسات التاريخية والآثارية كونوا عنها صورة من خلال رسومات الكهوف. ويعتقد أنها كانت مجرد حزام من الجلد يلف حول الكاحل. ثم أخذ شكله في التطور عبر العصور.
أول ذكر للجورب حفظ لنا يعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، حيث ورد لدى الشاعر اليوناني هزيود في قصيدته “أعمال وأيام”. وكان في زمنه يصنع من شعر وصوف الحيوانات المضغوط ويرتدى مع “المداس”، ويرتديه النبلاء.
أقدم ما وصلنا من جوارب اكتشف في بريطانيا ويعود زمنه إلى القرن الثاني الميلادي. ويبدو أنه جورب طفل وكان منسوجا من الصوف. واكتشف في مصر جورب يعود إلى نفس الفترة تقريبا.
تطورت صناعة الجوارب تطورا هائلا وتنوعت موادها وأشكالها وألوانها. وصارت هناك جوارب رجالية وجوارب نسائية. وعلى حين بقيت الجوارب الرجالية، غالبا، غير ظاهرة مختفية بين الحذاء والبنطلون وغير شفافة في غالبها، أي أنها ظلت محافظة على وظيفتها الأصلية كحامية أقدام، أخذت جوارب النساء تتجه نحو الانكشاف والشفافية الكاملة، كي لا تحجب جمال السيقان، وتتحلى هي ذاتها ببعض مظاهر الزينة. أي أنها اتخذت بعدا تزيينيا جماليا.