ترجمة خاصة لقناة 218
نشرت صحيفة “أميركان هيرالد تربيون”*، مقالا حول التواجد الأميركي في أفريقيا بعنوان: “جيوش الظل: حرب أميركا الفعلية، ولكن غير المنظورة في أفريقيا”، جاء فيه:
هناك حرب حقيقية – ولكنها مخفية إلى حد كبير – تجري في جميع أنحاء القارة الأفريقية تتعلق بالولايات المتحدة، وتنشّطها روسيا، والصين الصاعدة. ومن المرجح أن تحدد نتائج الحرب مستقبل القارة وعلاقتها بالعالم.
تقول الصحيفة إنه من السهل أن نلقي اللوم على الرئيس الأميركي ترامب، وأجندته المتعثرة وتصريحاته المتهورة. ولكن الحقيقة هي أن التوسع العسكري الأميركي الحالي في أفريقيا هو مجرد خطوة أخرى في الاتجاه الخاطئ. وهو جزء من استراتيجية نفذت قبل عقد من الزمان، أثناء إدارة الرئيس بوش الابن، وتابعها بنشاط الرئيس باراك أوباما.
ففي عام 2007، بذريعة “الحرب على الإرهاب”، عززت الولايات المتحدة عملياتها العسكرية المختلفة في أفريقيا لإنشاء قيادة الولايات المتحدة في أفريقيا (أفريكوم). ومع افتراض أن ميزانية أفريكوم تبلغ نصف مليار دولار، كان من المفترض أن تبدأ أفريكوم في التعامل مع البلدان الأفريقية من حيث الدبلوماسية والمعونة. ولكن، على مدى السنوات العشر الماضية، تحولت أفريكوم إلى قيادة مركزية للغارات العسكرية الخاطفة والتدخلات.
ومع ذلك، فإن هذا الدور العنيف قد تفاقم بسرعة خلال السنة الأولى من ترامب في منصبه. والواقع أن هناك حربا أميركية خفية في أفريقيا، باسم “مكافحة الإرهاب”.
فالقوات الأميركية تجري يحاليا 3500 تمرين وتدخلا عسكريا فى جميع أنحاء أفريقيا سنويا بمعدل 10 فى المتوسط يوميا. ونادرا ما تناقش وسائل الإعلام الأميركية هذه الحرب المستمرة، ما يعطي التواجد العسكري الضخم مجالا لزعزعة استقرار أي من البلدان ال 54 في القارة كما يشاء.
وقالت الصحيفة إن “الرقم الحالي البالغ 3500 تمرينا عسكريا يمثل زيادة مذهلة بنسبة 1900٪ منذ أن تم تفعيل الأمر قبل أقل من عقد من الزمان، وهو ما يشير إلى توسع كبير في الأنشطة العسكرية الأميركية في القارة الأفريقية”.
وفي أعقاب وفاة أربعة جنود من القوات الخاصة الأميركية في النيجر في 4 أكتوبر الماضي أصدر وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، إعلانا أحاديا للجنة مجلس الشيوخ قال فيه: من المرجح أن تزداد هذه الأرقام مع توسيع الولايات المتحدة لأنشطتها العسكرية في أفريقيا. حيث يبرر الوزير ماتيس، شأنه في ذلك شأن غيره من مسؤولي الدفاع في الإدارتين السابقتين، التجاوزات العسكرية الأميركية كجزء من الجهود الجارية لمكافحة الإرهاب. ولكن هذه الإشارة المشفرة كانت بمثابة تظاهر من الولايات المتحدة للتدخل واستغلال، منطقة ضخمة مع إمكانات اقتصادية كبيرة.
يجري حاليا إعادة اختراع “التدافع من أجل أفريقيا” الاستعمارية القديمة من قبل القوى العالمية التي تفهم تماما حجم القوة الاقتصادية غير المستغَلة في القارة. في حين أن كلا من الصين والهند وروسيا يطورون نهجا فريدا في جذب أفريقيا، فإن الولايات المتحدة تستثمر معظمها في الخيار العسكري، الذي يَعد بإلحاق أذى لا يوصف ويزعزع استقرار العديد من الدول. وما انقلاب 2012 في مالي، الذي قام به قائد الجيش المدرب من قبل الولايات المتحدة، أمادو هيا سانوغو، إلاّ مثالا واحدا فقط.
وفي خطاب ألقته في عام 2013، حذرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون من “الاستعمار الجديد في أفريقيا التي من السهل الوصول إليها، ونهب مواردها الطبيعية، ورشوة زعمائها والمغادرة”. وفي حين أن حديث كلينتون صحيح بالطبع، إلا أنها كانت تشير إلى الصين، وليس لأميركا.
إن تأثير الصين المتزايد في أفريقيا واضح، وممارسات بكين يمكن أن تكون غير عادلة. بيد أن سياسة الصين تجاه أفريقيا تعد أكثر مدنية وتركيزا على التجارة من النهج الأمريكي الذى يركز على القضايا العسكرية. ويشير تقرير الأمم المتحدة في عام 2013، إلى أن النمو في أرقام التجارة بين الصين وأفريقيا، يحدث بوتيرة مذهلة جدا، حيث قفز من حوالي 10.5 مليار دولار سنويا في عام 2000 إلى 166 مليار دولار في عام 2011. ومنذ ذلك الحين، يستمر بنفس الوتيرة المثيرة للإعجاب.
ولكن هذا النمو اقترن بالعديد من المبادرات التي استتبعت العديد من المليارات من الدولارات من القروض الصينية للبلدان الأفريقية لتطوير البنية التحتية التي هي في أمسّ الحاجة إليها. وذهبت أكثر إلى تمويل “برنامج المواهب الأفريقية”، الذي يهدف إلى تدريب ثلاثين ألفا من المهنيين الأفارقة في مختلف القطاعات. ومن غير المفاجئ أن الصين تفوقت على الولايات المتحدة باعتبارها أكبر شريك تجارى لأفريقيا فى عام 2009. غير أن الاستعمار الحقيقي، الذي أشارت إليه كلينتون في كلمتها، يجري الآن من خلال تصور الولايات المتحدة وسلوكها تجاه أفريقيا. هذا ليس غلوّا ومبالغة ولكن له أصداء في كلمات الرئيس الأميركي ترامب نفسه.
وخلال مأدبة غداء مع تسعة زعماء أفارقة في سبتمبر الماضي في الأمم المتحدة، تحدث ترامب بالعقلية التي ألهمت النهج الاستعماري للقادة الغربيين لأفريقيا لعدة قرون. وتفاخر ترامب خلال العشاء بـ “العديد من أصدقائه (الذين يذهبون) إلى دولكم (الأفريقية) الذين يحاولون الثراء”. وقال “إني أهنئكم فهم ينفقون الكثير من الأموال.
وفي الشهر التالي، أضاف ترامب تشاد، شريك بلاده لمكافحة الإرهاب إلى قائمة الدول التى يحظر على مواطنيها دخول الولايات المتحدة.
ومع الأخذ في الاعتبار أن أفريقيا لديها 22 دولة ذات أغلبية مسلمة، فإن الحكومة الأميركية تجردت من أي رؤية دبلوماسية طويلة الأجل في أفريقيا، بل إنها تندفع بدلا من ذلك إلى مزيد من التقدم في المسار العسكري.
من المثير مقارنة هذا مع النهج الاستراتيجي الروسي لأفريقيا. وإذ تستعيد روسيا الصداقة القديمة مع القارة، وتتبع استراتيجية الصين للمشاركة من خلال التنمية وشروط التجارة المواتية.
ولكن على خلاف الصين، فإن روسيا لديها جدول أعمال واسع النطاق يشمل صادرات الأسلحة التي تحل محل الأسلحة الأميركية في أنحاء مختلفة من القارة. وبالنسبة لموسكو، فإن أفريقيا لديها أيضا إمكانيات غير مستغلة وهائلة كشريك سياسي يمكن أن يعزز مكانة روسيا في الأمم المتحدة.
وإدراكا منهم للمنافسة العالمية الواضحة، يسعى بعض الزعماء الأفارقة الآن إلى إيجاد حلفاء جدد خارج الإطار الغربي التقليدي الذي يسيطر على جزء كبير من أفريقيا منذ نهاية الاستعمار التقليدي منذ عقود.
ومن الأمثلة الصارخة على ذلك الزيارة التي قام بها الرئيس السوداني عمر البشير في نهاية نوفمبر إلى روسيا واجتماعه الرفيع المستوى مع الرئيس فلاديمير بوتين. وقال البشير لبوتين “إننا نحلم بهذه الزيارة لفترة طويلة”، وأضاف “نحن بحاجة إلى الحماية من الأعمال العدوانية التي تقوم بها الولايات المتحدة”. وبالطبع تشمل هذه “الحماية” المطمعة مشاركة روسيا الموعودة في تحديث الجيش السوداني.
وخوفا من انتشار روسيا في أفريقيا، فإن الولايات المتحدة تلجأ مرة أخرى للنهج العسكري مع القليل من الدبلوماسية. إن الحرب الأميركية المصغرة الجارية في القارة سوف تدفعها إلى مزيد من العنف والفساد، وهو ما قد يناسب واشنطن بشكلٍ جيد، ولكنها ستسبب بؤسا لا يوصف لملايين الناس.
وليس هناك شك في أن أفريقيا لم تعد تتبع “الغرب” حصريا، وأن تُستغل حسب الرغبة. ولكن ستنقضي سنوات عديدة قبل أن تتحرر أفريقيا بدولها الـ 54 دولة حقا من عقلية الاستعمار الجديد العنيد التي تقوم على العنصرية والاستغلال الاقتصادي والتدخلات العسكرية.
* “أمريكان هيرالد تريبون”، هي منفذ إعلامي مستقل على الإنترنت وتكرس رسالتها لدعم الصحافة المستقلة، وتحسين وصول الجمهور إلى مصادر المعلومات المستقلة. والدعوة إلى حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وحرية الإعلام والعقيدة، وقضايا الشباب، وينظر إليها على أنها ذات نهج ليبرالي يساري.