جرّاح أميركي فاشل
حيدر حسين علي
في التاسع من نيسان عام 2003 وقفتُ أمام باب منزل أهلي في العاصمة العراقية بغداد مذهولا مما يجري، فالدبابات الأميركية ومن كُنّا نراهم فقط في أفلام هوليود من ذوي البشرة البيضاء المائلة للحمرة والزنوج يسيرون بأقدامهم ومجنزراتهم الثقيلة على أرصفة بغداد الحبيبة وشوارعها التي كانت تشهد في حينها أكبر حملة، اكتشفْنا فيما بعد أنها منظمة وغير عفوية لنهب المصارف والمتاحف ودوائر الدولة ومن ثم إحراقها بدعوى أنها تعود لنظام صدام حسين.
ومثّل ذلك النظام الذي حكم بلادي بالحديد والنار لنحو 3 عقود ونصف ورماً سرطانيا من وجهة نظر الجرّاح الأميركي “جورج بوش” الابن الذي تعهّد بإزالته من دون أية مضاعفات، وأن بغداد والعراق ستستعيدان عافيتهما بسرعة البرق ليكتشف المريض أن هذا الجرّاح “فاشل” بعد أن أجرى جراحته من دون تخدير وفي صالة عمليات ملوثة، وبمشارط غير مُعقمة كفاية؛ ما تسبب بمضاعفات للمريض العراقي الذي كاد أن يفقد حياته لولا لطف الله.
نعم يا سادة لقد ظن الكثيرون أن سقوط تمثال صدام حسين في وسط ساحة الفردوس أو الحرية -فيما بعد- يُمثل بداية عهد جديد سينتعش فيه العراق، وتعود البلاد إلى سابق عهدها فنارا للعلوم والفنون والآداب والثقافة وقبلة للدنيا شرقا وغربا، إلا أن العراقيين استفاقوا من حلمهم الجميل على صوت تفجير أوّل سيارة مفخخة فجّرها الشر في وسط عاصمتهم، ومثلت أول بوادر التهاب جرحهم الذي فشل الجراح الأميركي في معالجته.
ويوما بعد يوم أيقن العراقيون أنهم قد خُدعوا من قِبل هذا الجرّاح الذي تحوّل فيما بعد إلى وحش كاسر بعد أن خلع قناع الطيبة لمصلحة قناع الشيطنة، وعاث ومن معه من شذاذ الآفاق ممن أتوا من كافة أرجاء المعمورة فسادا في أرض الرافدين التي استباحها النازيون الجدد عناصر تنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين.
واستيقظ العراقيون من سبات خلافاتهم الأيدلوجية فجأة عام 2014 لمّا رأوا بأمّ عينهم أمّهم الموصل الحدباء و”تكريتهم” الجميلة و”أنبارهم” الكريمة تسقط بيد النازيين الجدد ليهبوا هبّة رجل واحد بكافة أطيافهم المتعددة، عربا وكردا وتركمانا وأيزيديين وشبك وصابئة وأشوريين لشد أزر جيشهم الباسل وقواتهم الأمنية البطلة، بعد أن طعنهما الدواعش الإرهابيون في الظهر، فكان لهؤلاء الأبطال صولات وجولات في ساحة الوغى حتى تم طرد هتلر القرن الحادي والعشرين “البغدادي” من أرض وادي النهرين ومَن معه لاعقين جراحهم.
واليوم بدأ العراقيون بنظامهم الوطني الجديد الذي لا يقارن بالمرة بالنظام السابق رغم عديد الشوائب التي شابت النظام الجديد يتلمسون طريقهم نحو العودة إلى حضنهم الإقليمي والعالمي، فاعلين فيه كما كانوا بعون الله وأيقنوا ولو بعد 16 عاما أن ما سقط في التاسع من نيسان عام 2003 لم يكن تمثال صدام حسين ونظامه فحسب بل دولتهم الحبيبة التي بنوها بالدماء والتضحيات منذ العام 1921.