ثورة فبراير.. أصل الحكاية وما بعدها
حمزة جبودة
دعك من الحديث عن الدولة والمؤسسات الحكومية والحريات المدنية، وحدثني عن مشروعك الذي تخاف الكشف عنه، دعك من مبادئ فبراير ودم الشهداء وحدثني عن ثروتك، مكانتك الاجتماعية والسياسية اليوم، لا تجادلني في أسباب أخرى، لن تنجح لأنك فشلت منذ اللحظة الأولى لك في سرقة شعارات الناس التي لا تعرف عنك إلا صوتًا مزعجا في حياتها.
هل ترغب في قيام دولتك الدينية، ما هي مواصفاتها، وأين ستُقيمها، والأهم، هل تعتبر نفسك من الصالحين الذين يعملون على إصلاح البشر. أصلح نفسك واستيقظ من غيبوبتك، عليك أن تعرف أنك لست مُرسلاً من الله، ولا وصيًّا على الناس، أصلح نفسك أولا، هذا أفضل لكَ ولدينك.
أنت الذي ينادي بعسكرة الدولة، هل تعرف مواصفاتها وأهدافها، نتائجها، من المؤكد إن ترسّخت هذه الدولة “المرعبة” فأنت ستكون إما في سجونها، أو منافسا خارج ديارك في يوم ما، بالمناسبة أنت تعمل على توريط المؤسسات العسكرية والأمنية، في الجرائم والحوادث والعنف والكوارث التي ستحدث في ظلهم، لن يكون هناك خيارات، إما أن تنظم لها أو تنسحب مبكرا. المؤسسات العسكرية ستزحف إلى أي مكان هي تريده، ستفرض الدبابة قانونها، والانضباط العسكري سيتحول إلى انضباط آخر، يشبه دولة صدّقت أنها لا تُقهر وانتهت في بضعة شهور.
الثائر حالة مرضية لا علاج لها في ليبيا، يعشق الأسلحة السيارات المسلحة، ثم بعدها ينتقل عشقه للسيارات الفارهة، وينام على وسائد طبية، في أحيان كثيرة ينسى أنه سيُقتل في يومٍ ما، لأنه لم يقرأ جيدا “دستور الثورة” وموادها التي لا يملك أحد سلطة لتغييرها. أقسى موادها أن الثائر الذي حمل السلاح، لن تُحاكمه الدولة لأنها لا تعترف بوجوده، بل ستتخلّص منه الثورة بطريقتها المعتادة، في جعله مُجرّد خائف ومرعوبا، ستنقلب عليه الثورة. في هذه الحالة ستُعطي الثورة أوامرها: لا أريد أن أراه، تخلّصوا منه، وفقًا للدستور الذي أقرّ به يوم ما، أنه أعظم الدساتير.
القبيلة بيتٌ يكره الغرباء، يمدح الكرم ويعمل على أن يكون بيت الجميع، متناقض في أهدافه، تمّ الزجّ به في ألعابٍ لا يُجيدها ولا يفهم قوانينها، يُترك لهُ المجال حين تفشل الدولة في احتواء أزماتها، وينجح عادةً في إعطاء المسكّنات لإنهائها. قادر على تغيير قوانينه الداخلية حين يرى أن الفرصة قد حانت لإحراج الأيدولوجيا والحكومات، وفي لمح البصر يُقدّم حلوله على طاولة الصراع ويُنهيه بجدراة لبعض الوقت. هُو بيت لا تجرأ أسلحة الدولة على مواجهته، وإن دخل في الحرب، سيدخلها بالقوانين التي حفظها: المعتدي على البيت يجب أن ينال العقاب.. هكذا ببساطة، تم الزجّ بالقبيلة وتغيّر مفهومها الاجتماعي.
تُحبّ معمر القذافي، هذا شأنك أنت، لكَ أن تُحبّ من تريد، ولكنّ عليك أن تعرف أن معمر القذافي قد مات وأنت ما زلت على قيد الحياة، بالتأكيد أنت لستَ ميّتًا، وتطمح لأن يعود “حكم الجماهيرية” في ليبيا، وهذا هُو خطأك الوحيد، فكّر قليلا وتأمل وطنك أين وصل به الأمر.. ستقول ثورة فبراير السبب، أو النكبة كما تحب وصفها، ليس مهمًّا على كل حال، ولكن الأهمّ في كل هذا، أن تُفكّر بواقعية، بعيدا عن الشعارات والذكريات لزمنٍ لن يعود، وابحث عن نفسك جيدًا.. هل ليبيا تنهار أو انهارت؟ بالتأكيد لن نكذب. لن نُطيل عليك، ليس لديك إلا خياران إما فكر معمر القذافي أو ليبيا، ولن نُزوّر التاريخ، ولن نقول طاغية، التاريخ كفيلٌ بإنصاف الجميع. لن أكرهك وإن فعلتها أنت.. لأنني أُمثّلك وأنت تُمثّلني.
التيارات المدنية، لا التيار المدني، أكبر الفِخاخ التي وقت فيهم ليبيا بعد خصومهم الإسلاميين، يقول أكثر ما يفعل، ويجتمع أكثر من تنفيذ أفكاره، متهم بالعمالة للغرب وبالترويج للأفكار التي لا تتماشى مع “الأعراف الليبية”. مُفكّك من الداخل ومرتبط ظاهريًّا، كُلّ محاولاته تنتهي بالفشل لأنه لم يعترف أنه عدوّ نفسه، لا الآخرين لا خصومه، لا يحبّ أحدا غيره وإن سقط أحد مريديه ينهال عليه ويغرس سكاكينه في جسد الفكرة وبعدها يسأل: لماذا لا يوجد تيارٌ مدني واحد في بلدي؟ ولا يعرف الأسباب.. ليس لأنه جاهلٌ بها، بل لأنه يخشى مواجهتها: هو مُرتبك عكس خصومه: كُتلة واحدة. لا تقلق ليس مستحيلا إيجاد الحلول.
العربي والأمازيغي والتباوي والتارقي، هُم أبناء أُمّة واحدة، اسمها ليبيا فقط، لا عربية ولا غيرها، دولة ليبيا فقط. وهذه أعقد الألعاب القاتلة التي تستهوي البعض منهم جيمعًا، لا كُلّهم. وإن سألت عن السبب، ستسمع: التهميش والإقصاء والاستقواء بالخارج. وإن بحثت عن العُقلاء سيخبرونك بشيء بالحقيقة: الجميع ضحايا وعليهم أن يفهموا إن استمروا في استخدام الألعاب القاتلة، لن يكون لهم وطن ولا حتى بيت يتصارعون فيه، عليهم اللجوء إلى كِبارهم، ستختفي الأزمات. الكِبار هُنا تعني من يملك العقل، لا القلب.
الإضافات الأخرى، أبرزها التدخلات الخارجية، وهذه بإمكان الجميع الاستفادة منها إن تمّ توظيفها لصالح الجميع، لا أن تكون أداةً على رِقاب الليبيين، لدينا الثروات والمناخ الساحر، لدينا مساحات شاسعة، إمكانيات ضخمة. غير النفط، طلب المساعدة ليس عيبًا، العيب الوحيد أن تطلب المساعدة لنفسك فقط، هذا هُو العيب.. لاحظوا لم يُكتب “حرام”، العيب أكثر حضورا وفعالية لدينا جيمعًا.