مقالات مختارة

تهيئة تشرشل للحرب

خالد القشطيني

عاش ونستون تشرشل على هامش الحياة السياسية بين الحربين العالميتين، ولعل هذا ما جعله يعاني من الاكتئاب. كانت له علاقة مضطربة مع بولدوين، زعيم حزب المحافظين. وكله رغم إيمانه بمؤهلات تشرشل العالية. يروي تشرشل كيف تعززت هذه العلاقة بين الزعيمين فيقول:

دخلت مكتب رئيس الوزراء في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 1925، بعد بضع كلمات من المجاملة، سألته ما إذا كان له أي اعتراض على قيامي بتدخين السيجار. ثم قال لا. فأخرج غليونه المشهور وبدأ بالتدخين. سألني بعد ذلك فقال: «هل ترغب في مشاركتنا؟» أجبته بشيء من الحيطة: «نعم إذا كنت تريدني حقاً». لم تكن لي أي رغبة في المشاركة في الحكومة ما لم تكن على مستوى منصب كبير. ولم تكن لي أي فكرة عما كان يجول في خاطره.

وعليه فعندما سألني هل لك أن تصبح وزيراً للخزانة عندنا. شعرت بدهشة كبيرة لم أحلم قط بأن يكون رصيدي عنده على هذا المستوى العالي، أجبت فوراً: ولكن ماذا عن هورن؟ وقد كان هورن صديقاً حميماً لي. أجابني رئيس الوزراء قائلاً، كلا. لقد عرضت عليه هذا المنصب في العام الماضي عندما كنت أحتاجه، ورفض. لن يحصل عليه الآن.

تلت ذلك هنيهة من الصمت. ثم استأنف كلامه. ربما يمكن أن تقول لي الآن. ما هو جوابك على سؤالي. هل أنت مستعد للذهاب إلى الخزانة؟

كان بودي أن أجيب عليه بالقول: هل ستستطيع هذه البطة اللعينة أن تسبح؟ لكن نظراً لأن الحديث كان مهماً ورسمياً، أجبت عليه بالقول: هذا شيء سيحقق لي حلماً من أحلامي. فما زلت أحتفظ في البيت بالجبة التي لبسها والدي عندما أصبح

وزيراً للخزانة. سأشعر بالفخر أن ألبسها وأخدمك في هذا المنصب الجليل.
كبلد رأسمالي تعتبر وزارة الخزانة، (أي وزارة المالية)، أهم وزارة في بريطانيا. ومن المعتاد لمن يشغلها أن يتطلع إلى رئاسة الحكومة قريباً.

ولكن رغم ذلك فإن الرئاسة لم تسنح لتشرشل قبل مرور ست عشرة سنة أخرى. بيد أن موضوع إشراك ونستون تشرشل في الحكومة أثير ثانية في سنة 1935. ولكن بولدوين لم يدعه ثانية لهذا المنصب. لقد كان في ذهنه شيء آخر وأخطر. فكتب إليه المستر ديفيدسون، أحد أقطاب حزب المحافظين عن هذا الإغفال المتعمد. فأجابه بولدوين تحريرياً في رسالة قال فيها: «أشعر بأن علينا ألا نعطيه أي منصب في هذه المرحلة، فأي شيء يقوم به تشرشل، يقوم به بكل قلبه وجوارحه. إذا ما اندلعت الحرب -ولا أحد يعتقد أنها لن تندلع- فيجب علينا أن نحافظ على تشرشل طرياً ليتسلم رئاسة الوزارة حالما تندلع الحرب».

وكانت نظرة بعيدة من بولدوين في الاحتفاظ بتشرشل طرياً وغير متعب وجاهزاً لقيادة أمته والعالم في هذه الحرب المصيرية. وهو ما كان.

…………………..

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى