تشكيليات عربيات لـ218: نساء لوحاتنا مختلفات وقويات وهنّ رمز للحياة
خاص 218| خلود الفلاح
في هذا الاستطلاع؛ فنانات تشكيليات من ليبيا، وسوريا، والعراق، تجمعهن رؤية مشتركة على أن الفن إنساني في جوهره.
وما تزايد عدد التشكيليات اليوم؛ إلا دليلٌ قويٌ على حدوث تطور في وعي المرأة بقضاياها ومحاولة رفض الإقصاء الذي يمارسه المجتمع على حقها في التعبير عن ذاتها في اللوحة بالشكل الذي تريد.
وهنا تقول التشكيلية السورية لمى اللحام: تستثيرنا تخبطات طراز الواقع الذي لا يعرف استقرارًا على حال، وما بين الأمل بغدٍ يشبهنا أكثر ونحقق فيه ذواتنا أكثر وأكثر، والأحلام القديمة التي تلوح بيدها ولم تنسانا؛ تعصف بنا الساعةُ بمستجداتها وصورها الحاضرة لتتباين مسارب وألوان التعبير، بالأمل وحدهُ نبني وهو ما لاحظنا تحقق شوطٍ كبيرٍ منه؛ حين رأينا إشراقاتٍ تتزايد في أعداد الفنانات اللاتي بدأن تعبرن عن أنفسهن ولو بتحفظ، ولربما الغدُ يناسب أفق حرياتهن أكثر.
وتضيف: أثبتت المرأة ذاتها في كافةِ المجالات تقريباً، وهو ما رفع عنها الكثير من القيود، وأعاد النظر في معظم الموروثات التي تُخيم بعباءتها على المجتمعات، ونحن نرسم أو نكتب، نخترع، نُبدع أو ننجح لمستقبلٍ أرقى ولأننا نستحق الأفضل وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل كما قال الطغرائي؛ حتى يتسنى لهذه الروح الزاهية أن تنشر الجمال والعمار في الأرض.
يد المجتمع
أشارت التشكيلية الليبية، نجلاء الشفتري، إلى أن البدء في عمل فني هو مشروع حوار أكثر من كونه استفزاز لطريقة تفكيري ومنهجي في العمل.
وتلفت “الشفتري” إلى أن طرح الأفكار ووجهات النظر حول قضية ما داخل المجتمع أو في إطار أوسع من ما يحيط بنا يُؤثّر فينا بشكل أو بآخر، والحديث عنها فنيًا هو جزء من مشروع فني ثقافي، وبالتالي اللوحة نتاجُ بحث وقراءةٌ أعمق من ردّ فعل انفعالي.
من جانبها، تقول التشكيلية السورية علا الأيوبي: كل لوحاتي تنطلق من هدف معين وليس عبثًا، أبحث عن العناصر الموجودة حولي والعنصر الأهم دومًا هو المرأة، أبدأ بتسجيل هذه العناصر وتركيبها على سطح اللوحة والأفكار تتطور وتتغير منذ البدء حتى اكتمال العمل، من المواضيع التي تثير اهتمامي، غالبًا، ما يحدث في المجتمع الشرقي وأثر المعيشة والحروب وجميع ضغوط المجتمع وتأثيرها، خاصةً على المرأة.
وعن تجربتها؛ تقول التشكيلية الليبية عفراء الأشهب: عملي الفني لابد أن يكون متعلقًا بقضية أو تجربة مرت بي، في البداية تتشكّل بعض الأفكار والصور غير المرتّبة في مخيّلتي أطرحها على الأوراق بالقلم بشكل عشوائي، وتتطور الفكرة حتى أصل لحالة من الرضا، يُصاحبها التنفيذ.
وأفادت “الأشهب”، أن إبراز الصدق المطلق في الأعمال الفنية داخل مجتمعنا، مسألة جدا للجنسيين، ولكن بالنسبة للمرأة الفنانة أصعب بكثير؛ إذ لا يمكن للفنانة رسم شيء دخيل وجديد وغريب، قبل أن تضع في حساباتها المجتمع، إلا لو قررت الدخول في تحدٍ ضد التيار، دون التفات لنظرة المجتمع أو إيذاء كلماتهم لمشاعر عائلتها، بشكل عام؛ نحن مجتمع مقيّد لحرية التصرف والتعبير، ورغم ذلك تؤمن “الأشهب” بأن هذه المرحلة الصعبة لابد من العيش فيها بشكل مرن، مثلاً أن تطرح المرأة أفكارها على اللوحة بشكل أكثر ذكاءً ورويةً، والوصول إلى نقطة تُلائم الفنانة ومجتمعها دون أي توتر أو هجوم.
وعلى جانب آخر؛ تتابع التشكيلية الليبية فاطمة الفرجاني: إحساسي اللحظي لأثر اللون على بياض اللوحة يستفز مخيلتي ومن تم تبنى لوحتي رويدًا رويدًا، وكما يقول الفنان عماد باش آغا عني أنا ابنة الورق، شغوفة بالورق وأتعامل بكل حرية وسلاسة أكثر من الكانفس، أحيانًا؛ أفكر في موضوع معين أدوّن مفردات لوحتي لأجلب من مخزون ذاكرتي الرموز والتفاصيل التي تستطيع العيش مع قريناتها المختلفة على سطح اللوحة، بتوليفة بصرية لكن في وئام.
وتحدثت “الفرجاني” عن أنها تستمد تفاصيل أعمالها من حيز الذاكرة والقدرة على التخيل، وقد تستفزها للبدء في اللوحة بقايا قشور الألوان على الحيطان وآثار الزمن، وألوان الطبيعة والسماء وحركة الرياح للسحب والغيوم، وبقايا القهوة في الفنجان وألوان قوارب الصيد في الميناء، وتأثير الظلال على برك مياه الأمطار، والزهرات البرية الرقيقة وتأثير الصدأ على أسطح المعادن، وتنوع الأقمشة المطبوعة والمطرزة، خصوصًا أعمال جداتنا الأوائل، وثقافات الشعوب المختلفة.
وذهبت التشكيلية الكردية العراقية، روناك عزيز، إلى أن الرسم رحلة بحث عن الذات، رحلة استكشاف أشياء جديدة، ودخول عوالم أخرى، المشاعر التي نعيشها وأحاسيسنا تدفعنا، في أي لحظة، ربما إلى البحث عن وسيلة تعبير وابتكار، وربما تمنعنا عن الرسم وقد عشت هذه التجربة سنوات عدة.
وأضافت: الإبداع حريةٌ وحالة خلق ليس من السهل التخطيط لها، يد المجتمع والأشياء الأخرى لا تمنعني، أنا أرسم ما أريد، وعلى الفنان أن يكون حرًا وليس مقيدًا، المرأة لو أرادت أن تكون فنانةً حقيقةً ولها بصمتها؛ عليها أولاً أن تعيش في مجتمع ديمقراطي.
المرأة في اللوحة
تقول علا الأيوبي: أنا، دومًا، ضد كل أنواع الظلم، وأسعى للتغيير من خلال فني، المرأة في لوحتي هي الوطن وتضاريس وجهها تفاصيله، وهي الأكثر تعبيرًا عن الانفعالات والمشاعر من الرجل؛ لذلك اخترتها.
وتضيف: هناك قيود خانقة على للمرأة، وخاصةً الفنانة، في مجتمعاتنا العربية، ولابد من كسرها لإنقاذ هذا الكائن الجميل الرقيق؛ ليتعافى الوطن ونكمل مسيرة البناء، ودوري كفنانة تشكيلية أن أتحدث عنها لونًا وخطًا وكتلةً.
وبحسب علا الأيوبي، ففي المجتمع العربي؛ لا تستطيع الفنانة أن تكون حرّة في فنها، وتلفت: أنا واحدة منهن، نحن تحت قيود المجتمع الرافض لمعنى الحرية والديمقراطية.
وعلّقت عفراء الأشهب على الموضوع بقولها: المرأة في لوحاتي هي إنسان، أرسمها حزينة وتعاني، وأحيانًا قوية وفخورة بنفسها، وأحيانًا أخرى سعيدة أو طفلة، لا أحب وضعها داخل إطار واحد، وفي هذه الفترة؛ أفكاري يغلب عليها الحزن.
وتناولت روناك عزيز المرأة في أعمالها القديمة بشكل كبير، وأضافت: لكن بعد هجرتي ووجودي هنا في المهجر لأكثر من عقد أصبحت لوحاتي بلا نساء، اختفت كل النساء، كلهن أصبحن أنا، التي تعيش كل هذا الاغتراب والمصاعب اليومية، التجريدية التي أرسمها والألوان الكثيفة على سطح اللوحة؛ لم تستطع أن تخفي الحزن من وجوه النساء اللاتي أرسمهنّ.
في المقابل، تقول فاطمة الفرجاني: النساء موجودات في أعمالي، ليس تحيزًا ولا عنصريةً، أنا أمقت التمييز والعنصرية بأي شكل، وإنما للتعبير عن مشروع اللوحة، المرأة في لوحاتي رمزية للحياة بحد ذاتها.
وتتابع ضيفتنا: جماليات التكوين في اللوحة تنطلق في اتجاهات كثيرة، بإيقاعات مختلفة، فلا يمكن أن تتنبأ بنهاية الخط من بدايته، ولذلك يمكن مشاهدة اللوحة من عدة اتجاهات، وبرؤية جديدة ومختلفة، وينتج عن ذلك انفعالات مختلفة وتعبيرات متعددة، فالخطوط والألوان هي الطاقة، وتلك الطاقة هي نتاج انفعالاتي بالعمل الفني، أنقل ذاكرة ليست ببعيدة أو قريبة في آنٍ، تلازم رمزية الشكل اللولبي ورمزية السمكة والعين والمثلث في أعمالي وملامح لفتاة ذات البعد الواحد للشكل، وكف اليد “الخميسة”.
وتعتبر نجلاء الشفتري أن وجود المرأة في لوحاتها جزءٌ لا يتجزأ منها ومن المجتمع ككل، ولا يمكن وصف ذلك بالتحيز لجنس ما، لكن هذا تتطلّبه اللوحة منذ بداية التكون.
وتضيف: لوحاتي لا تحمل صفة “جندرية”، أغلبها شخوص متجردة تنتمي فقط للإنسانية، ولكن مع تطورات الأحداث اليومية والحياة بشكل عام وأثر الحروب وما حدث خلالها من تراجع لوجود المرأة ككيان قائم بذاته ومكانتها المهمة الموجودة منذ الخليقة؛ كان لابد أن تكون حاضرةً بقوة في اللوحة.
وتتأسف نجلاء الشفتري بسبب التراجع الكبير لدور المرأة خلال السنوات العشر الأخيرة، في ظلّ ما يحدث من فوضى، وهنا يكمن دورنا كمؤثرين بالفن أو بالأدوات الأخرى، بحسب قولها.