تخريد البلاد الليبية.. إلى أين
لاحظ طلبة جامعة بنغازي في منشور على صفحتهم الرسمية، سرقة أغطية غرف تصريف مياه الأمطار داخل أفنية مركز بنغازي الطبي، في خبر يبدو عابراً إلّا إذا عرفنا أنه صار تقليداً في كل مؤسسات البلاد وقطاعاتها.
تسود ظاهرة سرقات كهذه في أي بلد يطاله العوز أو يد الحروب العبثية، لكنه في ليبيا بدأ قبل ذلك -منذ عقود- إلّا أن البداية كانت مع النفايات والمواد المستهلكة والسيارات والآليات البائدة، خاصة بقايا الحوادث المرورية الملقاة على جنبات الطرق السريعة، لتتطور إلى تجميع بطاريات السيارات لبيع مادة القصدير غالية الثمن حينها، ثم تجميع فبيع أغطية زجاجات المياه الصحية، ليتطور الأمر بمجرد اندلاع ثورة فبراير في 2011 إلى نهب أسلاك الكهرباء العادية وذات الضغط العالي؛ لما للنحاس من مردود مادي كبير في ظل غياب شبه تام للسلطات الأمنية الشرطية والعسكرية المنشغلة في متاهات الفوضى العارمة التي واكبت أحداث الثورة.
ومع كل اندلاع لحرب أهلية صغُرت أو كبرت -طيلة العقد الأخير- ترتفع وتيرة السرقة والسطو فلا يمضي يوم إلا وتفاجئنا المنصات الإعلامية للشركة العامة للكهرباء بأخبار السرقات الكبرى لعشرات الكيلومترات من أسلاك والكهرباء وكوابلها.
وطالت عمليات السرقة والسطو المسلح شبه الممنهج، لتصل إلى مصدر المياه الرئيسي في البلاد، وهو منظومة النهر الصناعي، التي تُغذي جل مناطق الشمال الليبي بالمياه العذبة، بل وتطال أعمال الاعتداءات حتى على مؤسسات الدولة المدمرة والقائمة على حدّ سواء من معسكرات ومدارس وإدارات مختلفة، وحتى مباني خاصة ومنازل لتجميع مادة الحديد وغيره من معادن، بل ووصل الأمر -مؤخراً- إلى انتزاع الكربون الخاص بعوادم السيارات وبيعه بأسعار مرتفعة، وهو لا يُلحق الضرر بالسيارة بل يساهم عدم وجوده في تلوث البيئة.
وتجاوز التخريد النحاس والحديد والقصدير وبقية المعادن والأجهزة، ليشمل النباتات الزروعات الطبيعية والمستزرعة على حدّ سواء، حيث إزالة الغابات في الجبل الأخضر، شرق البلاد، التي تُمثّل ثروة نباتية هائلة للبلاد، زراعياً وسياحياً وتُمثّل رئة كبرى لبيئة أنظف وفي واحات الوسط والجنوب تم تجفيف فتجريف الآلاف من أشجار النخيل، ليزحف الأسمنت والخرسانات وتنهض المباني لتجارة العقارات، فيما يتم يومياً اقتلاع أشجار الزيتون في الساحل الغربي لنفس الغرض.
لم تدّخر الحكومات جهداً للقضاء على الظاهرة، حيث تجدر الإشارة هنا لقرار حظر الخردة الصادر من وزارة الاقتصاد وجهود النائب العام، الذي وصلت إلى اتهام إدارة حماية الطاقة بالتقصير في واجباتهم، بل وعدم القيام بها ومن محاولات خجولة لتفعيل الشرطة الزراعية والحرس البلدي وأيضاً “شرطة الكهرباء” وحرس المنشآت النفطية والأجهزة الأمنية لحماية النهر الصناعي، ناهيك عن محاولات الجيش والشرطة والدعم المركزي، لكنها محاولات متقطعة لم تُفلح في وضع حدٍ لهذا العبث، في انتظار تماسك الدولة وتوحيد أجهزتها وإنهاء التشظي السياسي، الذي صار الركيزة المحورية للنهب الممنهج واستمرار حالة الفوضى والإفلات من العقاب.