بين سعدة و البوحوَّام
عبد الوهاب قرينقو
عمر مسعود ( 1932 – 2012 ) عميد الفن في مدينة هون والمنطقتين الوسطى والجنوبية .. ولو كان الحظ أوفر والجغرافية غير ، لكان هذا الفنان من أسطع نجوم الفن الليبي .. الفنان الراحل " عمر مسعود " موهبة كبيرة ، تُذكرنا بعض ملامح تجربته بالظاهرة الرحبانية ، فقد لحَّن وكتب وغنى ومثَّل وأخرجَ وأسس للموسيقى الشرقية وساهم في النهوض بالحركة المسرحية وكل ارهاصات التأسيس الثقافي المعاصر في مدينته منذ 1948 وإلى وفاته سنة 2012 م ، منطلقاً من فلكلور هون وجاراتها في منطقة الجفرة عموماً ، وواحات الوسط التي تعتبر أهم مناهل التراث الموسيقي الغنائي الحضري في ليبيا .
مع أن " عمر مسعود " استمد موهبته من الموروث إلا أنه لم يقف عنده .. ورغم النوى والبعد عن المركزين طرابلس وبنغازي فقد وصلت بعض أغنياته إلى شرائح بعينها من الجمهور الليبي من المهتمين والمشتغلين بالموسيقى والأغنيات .
أبصر عمر مسعود النور في مدينة هون سنة 1932 وكانت مراحله التعليمة الأولى فيها وغادرها لمواصلة دراسته وعاد ليعمل بها مُعلماً بمدارسها ، و في كل لقاءاتي به كنتُ أنسى دائماً أن أسأله لماذا لم ينطلق من طرابلس حيث الامكانات ، ولكن حكى لي بعض مجايليه مؤخراً أن فرصاً كهذه طُرِحت أمامه وكان يرفض في كل مرة، حتى أنه رفض تسجيل أغانيه في الراديو ولاحقاً في التلفزيون ، وأضافوا أنه كان يخوض ما يشبه تحدي الذات والمحيط بأن تقع على عاتقه و مسؤولية جيله أمانة المساهمة في أن تكون مدينته أيضاً مركزاً لإنتاج الفن الحديث والإشعاع الثقافي .
من أشهر أغانيه في الحب " البوحوام " ، " يا محير ظني " ، " سعدة " ،" محبوب وغالي " ،" دوره بدوره " ، " جربت حبك ما لقيته صافي " ، " أدلع يا نوار الخوخ " ، " هات البدلة " ، " التلفون " ، " شلت الصنارة " ، " يا ريفية عذبتيني " ..
لم تتوقف أغاني عمر مسعود عند محطة أغاني الحب والوله والغرام، فلا تغادرها، كما كان اشتغال أبناء جيله، بل تجاوز ذلك إلى تنويع تجربته من فسيفساء الحياة وتفاصيلها فغنى " النخلة " ، " الفراشية " ، " بنطوع جندي لبلادي " ، " عزوبة ومرارة " ، " غاوي يا سواق ارفعني لدرنة " ، .. دون أن ننسى أغنيته الأهم في سياق الأغنية الاجتماعية الرافضة والمتمردة ، أغنية ( يا دنيا ديري الناس سوا ، واحد تعطيه وواحد لا ) ، أغنية من إبداعاته في السبعينيات ، اعتقد الكثيرون في أوساط الثقافة الليبية، وحتى من العامة أنها من مرسكاوي بنغازي ، ربما لأنها انتقلت مع كتاب وفنانين من المدينة، كانوا قد سافروا لغيرها، أو لأن الراحل غناها في مهرجانات بنغازي وطرابلس ومصراته و سبها تلك الحقبة حيث كانت حفلاته وسهراته مع فرقة هون للموسيقى في جولات بمدن ليبيا شمالاً وجنوباً .. يذكر بعض الاصدقاء من سجناء الرأي من ذوي الميول اليسارية أنهم كانوا يتغنون بها في ليالي معتقلات نظام القذافي بعد سجنهم أواسط السبعينات كنشيد ليبي داعم للاشتراكية .
..
أدرك عمر مسعود ثورة فبراير 2011 فكتب ثلاث قصائد فصحى وأغنية واحدة باللهجة العامية في مارس من ذات السنة ، فلم تمنعه سنه التي اقتربت من الثمانين وحالته المَرضية من إبداع نصوصٍ جديدة عن الحرية والتحرير وأمل الشعب الليبي في التغيير ..
..
في 6 نوفمبر 2011 م انتقل الفنان عمر مسعود إلى جوار ربه تاركاً كنزاً من الإبداع المتفرد .. ولا تكفي مقالة واحدة لتسليط الضوء على هذه التجربة الإبداعية الجمالية، علَّنا نعود لرصد سماتها أكثر في مقالةٍ قادمة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعليق على الصور :
الصورة ( 001 ) :
تذكارية من الستينيات للفنان الراحل عمر مسعود يعزف على آلة العود ، يجلس جواره عازف إيقاع الفرقة الفنان الراحل " أبوبكر فكرانة " وخلفهما أعضاء فرقة هون للموسيقى وآخرون .. من اليمين وقوفاً : المطرب والملحن الراحل " محمد الزروق أبوقصيصة " رفيق درب عمر مسعود والذي أسس معه فرقة الموسيقى – " عبدالله الغدامسي " زائر لمدينة هون من مشجعي الفرقة – الفنان " عبدالقادر العربي " أول فنان من هون درس المسرح أكاديمياً وشارك ككورس ضمن المجموعة الصوتية – الفنان " العربي مصطفى "- المسرحي " علي عبدالجليل " من رفاق عمر مسعود وعضو مؤسس بفرقة الموسيقى – الإعلامي " أحمد خليفة " عضو المجموعة الصوتية والذي صار لاحقاً اعلامياً بالتلفزيون الليبي .
الصورة ( 002 ) :
صورة نادرة للفقيد يغني مع فرقة الفنون الشعبية مع روادها من الشيوخ سنة ٢٠٠٢ في سهرة خاصة بمدينة هون نظمتها فرقة هون الموسيقية بعد أيام من تكريم عمر مسعود في مهرجان الأغنية الشعبية الليبية بالجبل الأخضر على مسرح شحات الأثري .. في الصورة من اليمين : عمرو شنيبو – احميدة عبدالجليل – علي عبدالجليل – عمر مسعود – علي شنيبو – جمعة عبدالجليل – و أمحمد مازن من الجيل الذي استلم راية الفن من رواد الأغنية الشعبية بهون .
الصورة ( 003 ) :
" عمر مسعود مع عناصر من فرقته الموسيقية يحيي إحدى مناسبات المدارس الإعدادية بالمدينة سنة 1970 ويجلس يمينه الفنان الراحل عبدالسلام عبدالجليل والكاتب الفنان محمد السنوسي ابراهيم .