بيروقراطية الكالشيو
خاص 218
نظام الحكم البيروقرطي المقيد شكل عائقا على بلد اشتهرت بحب الحياة ولعب كرة القدم والتتويج التاريخي بجميع بطولاتها على مستوى المنتخبات والأندية، أجبر هذا النظام الاستبدادي الأندية الإيطالية على الوصول إلى أقصى درجات الانحدار في السنوات الأخيرة في زمن الاستثمار والتسهيلات.
تحقيق صحفي نشرته صحيفة الاتحاد الإماراتية أثناء زيارة طاقمها إلى بعض أندية الصفوة هناك منذ حوالي عشر سنوات تقريبا، كشف النقاب عن الحالة العسيرة التي تعيشها الأندية الإيطالية، فوحده اليوفي ظل متماسكا ونجا من تعنّت البلديات الإيطالية وغول الحكومات الداعم لها وأنقذ نفسه بملعب جديد بمواصفات عالمية.
يقول أدريانو غالياني نائب رئيس ميلان سابقا ورفيق الشخصية الشهيرة سيلفيو بيرسكوني الذي نقل ميلان من ناد في خانة “العادي” إلى بطل أوروبي حين تقلد منصب رئاسته عام 1987، إن الرئيس الأسبق لم يكن رئيسا مرفها ينفق على النادي بطريقة البذخ بل يعتبر رجل أعمال وسياسيا ناجحا يتحمل الفارق بين الإنفاق والربح موسميا.
مماطلة بلدية ميلانو في إعطاء الضوء الأخضر لإدارة ميلان في إنشاء ملعب خاص بعيدا عن سان سيرو المعقل التاريخي، جعل ميزانية الإنفاق في آخر المواسم تصل لحوالي 146 مليون يورو بينما الربح لا يتجاوز 120 مليون يورو، رقم في زمن الاحتراف والرواتب العالية والطواقم الفنية والإدارية المتكاملة لا يشجع المستثمر على بناء فريق كرة قدم منافس حقيقي ومن هذا المنطلق تمّ بيع ميلان إلى جهة صينية غير معروفة لم تتمكن بدورها من تسديد ديونها لبنك إليوت الأمريكي الذي استحوذ على أسهم النادي.
بيروقراطية الحكومات الإيطالية المتعاقبة واستنفاع البلديات الإيطالية من وراء الدخل أثناء المباريات صدم الأمريكي بالوتا رئيس روما فحين ترأس النادي مطلع الألفية الثانية بدأ في تكوين مشروع يرتكز قِوامه إلى إنشاء ملعب جديد يبتعد به عن مشاركة لاتسيو في القلعة الشهيرة “ملعب الأولمبيكو” لتكون الصدمة بتقويض مشروعه وتقليصه لحوالي 60% ما جعل فريق الذئاب اليوم يصبح منصة لتكوين اللاعبين وانطلاقهم لأندية كبرى خارج إيطاليا لنا في صلاح وأليسون ونايغولان وغيرهم خير مثال، وفي الحقيقة عنصر المضايقة لبالوتا ظهر لسبب معين وهو تبعية ملعب الأولمبيكو لبلدية روما واللجنة الأولمبية الإيطالية ورحيل النادي عن هذا الملعب يعني ضياع العائد المادي الذي تستفيد من ورائه هذه الجهات.
حتى دي لوريتنس رئيس نابولي أنهى في فترة معينة الماضي الذي يعيش عليه جمهور نابولي باعتباره النادي الذي صنعه مارادونا وحوّله إلى حقيقة منافسة لليوفي في إيطاليا لكنه تعثر أيضاً في حجر البلديات، ووصل به الحال إلى تعبيره في أكثر من مناسبة عن عدم رغبته في اللعب مجددا في السان باولو والانطلاق لتأسيس ملعب جديد يكون دخله الصافي مكسبا في أرصدة ناديه وهذا لن يحدث إلا بسن قوانين جديدة تشجع الاستثمار وتنهي حكم البلديات في كرة القدم.
الجميع يتساءل لماذا انتهى حكم العائلة للأندية في إيطاليا رغم نجاح عائلة أنيلي المعتمدة بالدرجة الأولى على رعايات شركة فيراري المملوكة لها وإن أجبنا بصورة سريعة فسنجد أن قانون الضرائب المرتفع أنهك الاقتصاد الإيطالي وكوّن بيئة طاردة للمُستثمرين.
في هذه الأيام كرة القدم اقتصاد ربحي، والملاعب التي تنشأ عبارة عن مكان يستمتع الناس بزيارته ليس لمتابعة مباراة من تسعين دقيقة فقط والملاعب الإيطالية الفقيرة تفتقد لهذه الصفات المطلوبة بقوة عالميا.
فأين إيطاليا وكرتها من ذلك، الإجابة تتابعونها ضمن لقطات بسيطة خلال الشاشات الناقلة لدوريها والتي توضح حجم المعاناة والإهمال الذي طال ملاعبها.
مانشستر سيتي المملوك لشركة الاتحاد يمثل جزءا من مشروع اقتصاد ضخم وبمعنى أصح النادي جناح رياضي فقط من شركة تصل الليل بالنهار لتكون ماركة عالمية مسجلة، الهدف الربحي الأكبر لنجاح الإدارة الرياضية هناك في أن يظهر النادي عبر الشاشات التلفاز والسوشيال ميديا بأفضل حلة، فاللاعبون يحتلون مكانة تسويقية والمدرب غوارديولا محط حديث الإعلام أما الألقاب فقد خلقت للمشجعين فقط لكي يحتفلوا بها.