بوابة التاريخ
وليد بن لامة
هي الأحداث وحدها من تفتح لأصحابها بوابة التاريخ .. وهي الأحداث نفسها من تقفل أبوابه، عندما وقع نظري على هذه العبارة وللوهلة الأولى قفزت نحوي أحداث وترامت علي محطات وانهالت نحوي عبارات أخرى دارت وجالت في خلدي، فقررت أن أترجم الحديث الذي دار بيني وبين نفسي -حديث الذات- أن أخرجه قبل أن يخنقني وأشاركه القارئ، فعندما أيقنت أن مصير بلد من البلدان قد يكون أحياناً رهناً بيوم واحد، تجلى لي ذلك اليوم من شهر يوليو من العام 2014 الذي مازال نزيفه مستمرا ويغطي الأفق، لم يكن يوما عاديا على طرابلس فقد شهد أهلها قذائف الموت وهي تسقط على بيوت الآمنين، كانت رائحة الدم تفوح فيه من البيوت والشوارع والأزقة، كان حدثا لن ينساه الليبيون عامة وأهل طرابلس خاصة ما حيوا، ففي شهر رمضان الذي لم يُحرِّم فيه من بدأ عملية أطلق عليها أسم “قسورة” الدماء الليبية وهم يُكبِّرون في فجر الثالث عشر من يوليو بتكبيرات معلنين فيه عن انطلاق عمليتهم، عملية أحرق فيها من يومها الأول مطار طرابلس الدولي، وكأن نصراً عظيماً تحقق على مبنى وطائرات كانت تظن أنها في مأمن، فهل أراد أولئك أن يدخلوا العمق الاستراتيجي للتاريخ ويصنعوا مجدهم بهذه الطريقة! أم أنهم بفعلهم هذا أرداوا أن يترجموا المعنى الحرفي بأن تاريخ كل أمة خط متصل، وقد يصعد الخطأ ويهبط، وقد يدور حول نفسه أو ينحني ولكنه لا ينقطع!
فجر .. كان فيه الليبيون نيام ومنهم من استيقظ للصلاة على صوت تكبيرات كان يظنها تكبيرات المساجد فكانت تكبيرات حرق المطار، فجر أضحى ظلاماً حالكاً لسكان طرابلس بين خوف سكنهم وتهجير طالهم.
أغلقت بوابة التاريخ بأقفال موصدة غير آسفة في وجه من حاول فتحها بأن يسجل نفسه أحد صانعي التاريخ في ليبيا، تقفل في وجههم وذكرى فجرهم المشؤوم ومازال يعيش الليبيون تبعاته حتى الآن، تقفل وحق لها ذلك، فكان حدثا لم يفتح لأصحابه بوابة التاريخ.