بنغازي المختار بقبضة القذافي
بكر عويضة
في اليوم السادس عشر للانقلاب، ظهر على الناس، لأول مرة، ومن بنغازي، ضابط يُدعى معمر أبو منيار القذافي. مذ ذلك اليوم، عرف الليبيون، وغيرهم من عرب وعجم، في مختلف أنحاء العالم، أن ذلك الشاب المستشيط الغضب خطاباً، الملوّح بقبضته اليمنى أحياناً، وباليسرى تارة، هو قائد ما سوف يُسمى، من تلك اللحظة فصاعداً، «ثورة الفاتح من سبتمبر»، وقبل مضي زمن غير طويل، جرى اقتصار التسمية على «الفاتح العظيم». صادف ذلك اليوم ذكرى إعدام عمر المختار شنقاً نهار الأربعاء 16-9-1931. لماذا بنغازي دون غيرها، ولِمَ اختار القذافي ذلك اليوم تحديداً للظهور العلني، بعدما بقي اسمه سراً، وكذلك دوره؟ إجابة الشق الأول بدت واضحة من البدء، إذ كانت ثكنة الجيش في ضاحية البِركة ببنغازي نقطة انطلاق الانقلابيين. أما إجابة الشق الثاني فقيلت بشأنها إجابات عدة، وهي تكاد تجمع على أن الاختيار جرى بذكاء مقصود من جانب القذافي، إذ انطلق من حقيقة أن استشهاد «شيخ المجاهدين»، حدث أجمع الليبيون، باختلاف مناطقهم، على الاحتفاء به، عبر التاريخ، ليس لمجرد استحضار الذكرى، بل بقصد الإبقاء على دروس مقاومة المحتل الإيطالي حاضرة في العقول، فما الأفضل منها لأول ظهور علني لقائد حَدثٍ غير عادي، سوف يغيّر تاريخ ليبيا الحديث، ثم إن طموح قائد «الفاتح» يتعدى النطاق الليبي إلى إحداث تغيير ضمن الأفق العربي، فالمدار الإسلامي، وحيث وُجِد فَلَكٌ دولي يمكن تسيير فُلْك طموحات القذافي نحوه، بحراً أو براً أو جواً، وما العائق الذي سوف يحول بين «الأخ القائد»، وطموح غير محدود، ما دام أن ليبيا تجلس فوق ثروة نفطية تدر المليارات، وأين الخطأ إذا تم تبديد كم مليار منها لأجل نشر رؤى العقيد عبر حدود القارات، بقصد تعميم فكر «النظرية الثالثة»، أولاً، ثم تطبيق نظريات «كتاب أخضر» سوف يطل لاحقاً، ويبشّر باكتشاف حلول لمشكلات البشر كافة؟
غادر الملك إدريس السنوسي تركيا وحل في القاهرة، مع أهله، ضيوفاً على مصر، بكرم من جمال عبد الناصر، رئيسها آنذاك، فأمضى ختام العمر معززاً بين أهلها حتى وافاه الأجل فيها (25-5-1983) ثم ووري جثمانه الثرى في بقيع المدينة المنوّرة. أما معمر القذافي فظل وفياً لكل طموح حلم به صبياً في سِرت، ثم طالباً بمدارس سبها، كي يصبح زعيماً مُهاب الجناح، حيثما هبت رياح ثورة، من أدغال أفريقيا، إلى روابي آيرلندا، إلى تخوم أميركا اللاتينية، إلى أقاصي جنوب شرقي آسيا. أين وكيف انتهى هُوَ، ثم كيف وأين صارت ليبيا؟ الإجابة أسطع من شمس أي صحراء. يبقى أن ما بين بنغازي عمر المختار، قبل أن تقع في قبضة معمر القذافي، وبين شاب فلسطيني جاءها من شارع عمر المختار في غزة، مروراً بالقاهرة، المثخنة بجراح هزيمة 1967. حكاية تطول، وربما تُروى هنا جوانب منها في أسبوع مقبل.