“بلايستيشن” ومعادلة “سوني” الذهبية لجذب عدد لا متناهي من الجمهور
بعيدًا عن سوق الحواسيب الشخصية، المكتبية كانت أو المحمولة؛ هناك سوق آخر تمامًا يلعب على عنصر واحد بعينه: الألعاب. وهنا لدينا إما مايكروسوفت العريضة أو سوني العزيزة، ولهما قصص وقصص في حروب لا تنتهي؛ ولن تنتهي.
بينما الحواسيب قادرة على توفير إمكانيات جرافيك وتحمل غير طبيعية للألعاب الآخذة في التطور بطريقة غير مسبوقة، تحصل أجهزة اللعب المنزلية – Consoles على مكانة خاصة في قلوب وعقول اللاعبين على مستوى العالم.
في هذا المجال تكون الحرب دائرة دائمًا بين سوني من جهة، ومايكروسوفت من جهة أخرى. وحسب مبيعات السوق، الغلبة لسوني بدون شك.
بالرغم من سقوط سوني في أكثر من مرة بالماضي (خصوصًا مع الـ PS3 الذي كانت تسعيرته مأساوية للغاية)، إلا أنها الآن هي الأنجح على الساحة، وتخطط لاحتكار الجيل الجديد بجهاز الـ PS5 المنتظر صدوره في نوفمبر 2020؛ والذي تم حجز عدد مهول نسخه على مستوى العالم، أثناء كتابة هذه الكلمات.
ولذلك السؤال الذي يطرح نفسه: “لماذا سوني ناجحة إلى هذا الحد؟”.
الاهتمام بصغار المطورين
عملية اللعب نفسها تتضمن ثلاثة أطراف: لاعب – لعبة – منصة لعب. لكن بدون اللعبة نفسها، لن تكون هناك عملية من الأساس. وهنا يمكن القول أن الاهتمام بالألعاب يعني الاهتمام بالجهاز ككل، فبالتالي الاهتمام باللاعب.
ولذلك تحرص سوني على توفير تسهيلات كثيرة لمطوري الألعاب لكي يقوموا بالعمل على أجهزتها بلايستيشن الجديدة؛ وذلك مقارنة بمايكروسوفت التي في العادة ما تفشل بهذا الصدد.
في الآونة الأخيرة، أعلنت سوني عن كوكبة عملاقة من الأعمال التي ستصدر للـ PS5 المنتظر، ومن بينها ألعاب كثيرة فعلًا للمطورين ذوي الميزانيات المحدودة. أجل، ألعاب الإندي لها نصيب كبير من أول عام للجيل الجديد.
دعم سوني لتلك الاستوديوهات الصغيرة، وتقديم الفرصة لها للظهور على الساحة؛ هو فعلًا أمر يستحق الشكر والتقدير، ويعمل على تشجيع استوديوهات أخرى على بناء علاقات طيبة مع سوني، وتطوير الصناعة بشكلٍ عام على المدى الطويل. هذا في النهاية تنتج عنه مكتبة ألعاب عملاقة، لا تستطيع مايكروسوفت منافستها بسهولة.
الخطوة الوحيدة التي اتخذتها مايكروسوفت تجاه سوني بهذا الصدد، كانت الاستحواذ على شركة Bethesda مقابل 7 مليار دولار.
هنا نظرت مايكروسوفت للمستقبل بنظرة ألعاب الـ AAA الثقيلة، بينما نظرت سوني بنظرة ألعاب الإندي الخفيفة لجهازها بلايستيشن. ولذلك على المدى الطويل سنرى أن مكتبة XBOX لا تزيد في العام إذا بمقدار ضئيل مقارنة بمكتبة PS، وهذا بالطبع يرجع للتكلفة والمجهود المتطلبين لصناعة ألعاب ضخمة كـ Fallout مثلًا (من تطوير استوديو Bethesda بالمناسبة)، واللاعب في النهاية يحب وجود خيارات كثيرة أمامه، والإنسان يحب التسوق باستمرار، حتى إذا دخل متجرًا ولم يشترِ إلا قلمًا واحدًا.
الـ PS PLUS
سوني لا تعتمد على الألعاب فقط في مبيعاتها ومكاسبها وطغيانها التجاري في السوق الكبير، بل هي في الأساس تعتمد على العناصر الصغيرة بداخل الألعاب المختلفة. وأبرز عنصر يمكن الاعتماد عليه تجاريًّا بالأعوام الأخيرة، هو عنصر اللعب أونلاين.
فبدلًا من جعل اللاعب أونلاين مجانيًّا على الألعاب المُشتراة (كما حدث في PS3)، لماذا لا تستغل الشركة الأمر وتبيع حق السيرفرات للشركة المطورة؟ بينما تأخذ أيضًا مبلغًا من اللاعب الذي يريد اللعب على سيرفراتها مع أصدقاءه من أصحاب الـ PS؟ بالتأكيد لما لا، الشركة ستربح أيّما ربح، والمطور لا يستطيع الرفض نظرًا لوجود لاعبين كثيرين للجهاز، واللاعب أيضًا لا يستطيع الرفض بسبب شراء رفاقه للاشتراك الشهري بالفعل؛ وهكذا سيظل وحيدًا مع طور قصة محدود لا يروي عطشه.
وكل هذا في النهاية يساعد على جذب جمهور أكثر على أمل الحصول على ألعاب مجانية أكثر، وفي المقابل تستطيع سوني تقديم جهازها بسعر تنافسي.
ولكي تجعل سوني الأمر مربحًا للاعب، قررت تقديم لعبتين شهريًّا، وعلى مدار العام. وهنا اعتمدت الشركة على المعادلة الذهبية: “لعبة جيدة، وأخرى متوسطة”، والتي تكون المتوسطة في أغلب الأحيان؛ مخيبة للآمال.
أي أنه عند النظر إلى مكتبتك في نهاية العام، ستجد أن بها ألعابًا فعلًا وفرت عليك مبالغ مهولة إذا اشتريتها من متجر بلايستيشن، وفي نفس الوقت ستجدها مزدحمة بألعاب لم تكن لتدفع فيها دولار واحد حتى. لكن بالمجمل، الخدمة مثيرة للاعب، مفيدة للمطور، وبالطبع مربحة (جدًا) للشركة.
ولكي تُظهر سوني أنها لا تسعى لبيع الـ PS PLUS لجميع اللاعبين، جعلت اللعب الأونلاين مجانيًّا للألعاب المجانية في الأساس، دون الحاجة إلى دفع أي شيء.
ومن الناحية الأخرى، تأخذ نسبة من مبيعات العملات الداخلية في تلك الألعاب المجانية، والتي تكون مغرية لأي لاعب؛ فلا يوجد أفضل من Skin لامع تتجول به في Fortnite بينما الجميع حولك بملابس تقليدية وقديمة. وهذه نقطة أخرى في صالح سوني، فهي لا تأخذ نسبة كبيرة من المبيعات مثلما تفعل أبل؛ حيث تأخذ الأخيرة من أي مطور نسبة 30% بالكامل؛ فقط لطرح التطبيق على متجرها الرسمي ليس إلا.
التركيز على اللاعبين فحسب
تمتاز سوني بكونها شركة تخصص نسبة كبيرة من مجهوداتها، للبلايستيشن حصرًا. فإذا نظرنا لنسب مبيعات منتجات سوني مجملًا، سنجد أن أغلب أموالها تأتي من البلايستيشن، بينما الكاميرات والهواتف والاكسسوارات الأخرى لا تعتبر حجر زاوية في الشركة مقارنة به.
فإذا قررت الشركة اليابانية غدًا أن تقوم بتصفية شاملة، ستصفي كل الفروع، وستترك فرع الألعاب فقط. إذا انهار البلايستيشن، انهارت سوني؛ وهذه نظرة اقتصادية يمكن لأي أحد أن يستشفها عبر النظر إلى السوق بدقة.
بينما على الصعيد الآخر، المنافس القوي هو مايكروسوفت، وهي لا تركز على الألعاب بقدر ما تركز حاليًّا على الخدمات السحابية. فأغلب مصادر أموال مايكروسوفت تتمثل في تأجير الخدمات السحابية بمختلف أشكالها وألوانها، والتي تتضمن الخوادم (التي تأخذها من أمازون وغيرها)، المساحات التخزينية، وأيضًا الاشتراكات الشهرية المقترنة ببرامج مثل حزمة Office الشهيرة.
وهذا يجعل سوني الأقرب للاعب، لأنها دائمًا ما تستمع إليه وإلى شكواه، وتعمل باستمرار على تقديم كل جديد في الخدمات الخاصة بها. وكل التطويرات التي تقدمها، تقدمها للاعبين مجملًا، ولا تربط الشركة بين فروعها المختلفة.
فمثلًا لن تبيع سوني اشتراك PSN وعليه اشتراك ثلاثة شهور في خدمة حفظ صور كاميراتها أونلاين مثلًا. لكن العكس حدث فعلًا؛ فظهر أكثر من تاجر أمريكي على أمازون وخلافه، يبيعون كروت هدايا XBOX وعليها اشتراكات في Microsoft 360، بسبب عدم بيع كروتهم بكثرة مثل كروت سوني.
وأخيرًا، الحصريات
ذكرنا أن السبب الرئيسي لتعاظم سوني كشركة قابضة، هو البلايستيشن. وذكرنا عناصر عديدة جعلت هذا الجهاز محبوبًا من قبل الملايين، وصاحب أعلى نسب مبيعات على مستوى منصّات اللعب المنزلية حصرًا، وذلك في أغلب أجياله أيضًا.
لكن الآن كان وقت التطرق للدافع الأقوى لشراء هذا الجهاز؛ ألا وهو الحصريات التي لا تصدر إلا له وحده؛ دونًا عن سواه، مثل Spiderman و Days Gone، والقائمة تطول بالطبع.
سوني تولي اهتمامًا كبيرًا لتطوير الألعاب التي ستظل ملتصقة باسمها أبد الدهر. وحتى إذا صدرت اللعبة في البداية كحصرية ثم هبطت للحاسوب، ستُذكر على أنها حصرية لسوني في المقام الأول والأخير، ولذلك يجب الاهتمام بكل جوانبها. ولهذا نجد أن ألعابها الحصرية تكون هي القائدة لصناعة الألعاب بالكامل في العام التي تصدر فيه.
في العادة ما تحصل تلك الألعاب على تقييمات مرتفعة، ويُضرب بها المثل من حيث التفاني في الكتابة، الرسم، التحريك، التصميم ثلاثي الأبعاد، الإخراج الفني، الإخراج السينمائي، التصميم، وأيضًا واقعية التجربة ككل.
مع الوقت، استطاعت الشركة أن تصبغ حصرياتها بطابع القصص. فإذا أعلنت في يوم عن حصرية جديدة، بنسبة 80% ستكون ذات طَور قصة يأكل ساعات وساعات من وقت اللاعب؛ وهو غير قادر على ترك ذراع التحكم من يديه حتى.
قصصها تفاعلية بطريقة تُجبر اللاعب على الاستمرار، ويحرص الكتّاب على وضع نهايات مفصلية بين الفصول وبعضها البعض، من أجل إجبارنا على بدء الفصل التالي، والذي يسحبنا بدوره في دوامة أخرى من الأحداث المبنية بأسلوب سينمائي قادر على زرع فكرة واحدة في الدماغ طيلة وقت اللعب: “ربما هذا الفصل سيكون الأخير، وبعدها سأخلد للنوم”.
وفي النهاية لا نخلد للنوم إلا مع شروق شمس يومٍ جديد، لنكتشف أنه مرت أكثر من 10 ساعات ونحن في نفس اللعبة، وما زالت لدينا رغبة في الاستمرار؛ لكن يتهاوى الجسد سريعًا في إشارة إلى بدء نوم طويل لتعويض الطاقة المستنزفة.
سوني شركة كبيرة، عريقة، واللاعب هو شغلها الشاغل؛ ولهذا لا يجب التعجب من مدى شهرتها مقارنة بالمنافسين.