بغداد وطرابلس.. بعد جغرافي وتجربة مماثلة (1)
حيدر حسين علي
من ركام بغداد ودروسها وعبرها عسى أن تنهض طرابلس وتتعض، نعم فما تمر به ليبيا من سيناريو مشابه للسيناريو الذي مر ولا زال يمر به العراق، فالليبيون في نفق مظلم مجاور لنفق نظرائهم العراقيين رغم بعد المسافة الجغرافية بين البلدين إذ لم يكن كلا السيناروهين متطابقين بالمرة.
وفي هذه الحلقات البسيطة غير الغزيرة بالإحصائيات أو التواريخ المعقدة على القارئ والمعتمدة على الذاكرة نحاول أن نقارن بين الحالتين الليبية والعراقية ونقترح الحلول التي يجب أن تقدم أو كان يجب أن تقدم للحيلولة دون تفاقم الأوضاع.
الحلقة الأولى
ساسة ليبيا يشبهون ساسة العراق
على الجانب السياسي خرجت ليبيا عام 2011 من عباءة الحكم الاستبدادي الشمولي الذي حكمها لأكثر من 40 عاما كما خرج العراق عام 2003 من ذات الحكم الذي تسلط على البلاد لنحو 35 عاما. ووجد الليبيون أنفسهم كما وجدها العراقيون من قبلهم أمام أحزاب وتيارات متمرسة بطرح الوعود بالديموقراطية وحرية الرأي والمشاريع التنموية وفرص العمل والازدهار؛ لأن جلها إن لم يكن كلها قد عاشت في دول أوروبية أو في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا في ظل أنظمة ديموقراطية ومزدهرة لينخدع كلا الشعبين الليبي ومن قبله العراقي بهذه الوعود، فالشعبان لا يفقهان أصول اللعبة الديموقراطية ولا يمتلكان الرؤية والأفق الواسع لاختيار قادتهم الجدد عبر صناديق الاقتراع.
وبان عوار النخبتين الحاكمتين في العراق وليبيا بعد أول عملية انتخابية فقد ظهرتا على حقيقتهما فهما لا تمتلكان الخبرة والقدرة والإرادة لإدارة دول بحجم ليبيا والعراق. إلا أن العراقيين كانوا أوفر حظا من الليبيين الذين تركهم المجتمع الدولي نهبا للتجارب والأجندات الدولية المختلفة المتصارعة على مصالحها ما قاد إلى تمزيق الدولة سياسيا وانقسامها أخيرا إلى 3 برلمانات وحكومات تتبعها لتتحول فيما بعد إلى حكومتين واحدة في الشرق والأخرى في الغرب وهي حالة نادرة الحدوث في أي دولة في العالم.
ومرد هذا التمزق أن مصير العملية السياسية في العراق بعد صدام حسين خطّطها ونظّمها وأشرف على تنفيذها الجانب الأميركي وهو ما قاد إلى دولة موحدة سياسيا ببرلمان واحد وحكومة واحدة، وهو ما لم يحدث في ليبيا للأسف ما يعني نظريا أن الليبيين كانوا ولا زالوا على ما يبدو بحاجة إلى قوة خارجية عظمى تتولى أمر هذه الدولة وتعيد ترتيب أوراقها سياسيا حتى تتمكن من التوحد على الجانب السياسي على الأقل، وكانت الفرصة مؤاتية لذلك لو أكمل حلف شمال الأطلسي ” ناتو” مهمته التي بدأها في ليبيا عام 2011.
وفي الحلقة القادمة سيتم تسليط الضوء على التجربة الأمنية العراقية منذ العام 2003 وحتى الآن وأوجه التشابه والاختلاف بينها وبين نظيرتها الليبية.