بعد مرور عام على تعديل سعر الصرف.. ماذا حقق القرار للاقتصاد الوطني؟
خاص 218
يقترب قرار مصرف ليبيا المركزي بشأن توحيد سعر صرف الدينار الليبي، من مرور عام على اعتماده بعد اتفاق أعضاء مجلس إدارة المصرف على تعديل سعر الصرف مقابل العملات الأجنبية، والذي أُنجز في نهاية السنة المالية 2020.
واتخذ المركزي القرار عقب ارتفاعات كبيرة في أسعار صرف العملة الأجنبية وتعدد أسعار صرفه من طرف المركزي للأغراض المختلفة، بالإضافة للانعكاس الحاد على السيولة المالية للمصارف التجارية التي شهدت عجزاً في الإيفاء بمتطلبات المواطنين، ليصبح سعر بيع العملة المحلية 4.48 دنانير ليبية للدولار الأميركي الواحد، بعد أن كان سعره محدداً بـ1.4 في انخفاض لقيمته بمقدار %70 ليحافظ سعر الدولار الأميركي الواحد في السوق السوداء على معدل أعلى وأدنى قليلاً من 5 دنانير ليبية.
ويرى مراقبون أن قرار المركزي حقق بعض الإيجابيات المتعلقة بجمع وامتصاص الكتلة النقدية لدى المواطنين، والمقدّرة بـ50 مليار دينار بحسب تصريح نائب محافظ مصرف ليبيا المركزي علي الحبري لـ218، والتي تحوّلت للمصارف عبر بيع النقد الأجنبي للأغراض الشخصية من قبل المصارف للمواطن، بالإضافة لوقف المضاربة في أسعار العملة والتي حققت أرقاماً قياسية، كما فاقمت الإثراء الفاحش لبعض المتنفذين الذين استغلوا حصولهم على اعتمادات مستندية لتدوير العملة الأجنبية في السوق المحلي، للاستفادة من فروق الأسعار على حساب المواطن الذي لم يحصل مقابل هذه الاعتمادات على سلع ومواد.
وبالنظر لحجم المشاكل البنيوية التي يعاني منها الاقتصاد الليبي وعلى رأسها الاعتماد الكلي على الواردات النفطية في تغطية الإنفاق الحكومي، والذي بلغ ما نسبته %95 بحسب تصريحات محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير لوكالة بلومبيرغ الاقتصادية، مُضافاً إليها حجم الانكشاف الاقتصادي والذي يبلغ %90 في إحصاءات غير رسمية، مما يعني اعتماد البلاد الكلي على فاتورة المستوردات المقومة بالعملة الصعبة، إلا أن سعر الصرف المستحدث مثّل نافذة لصانعي القرار الاقتصادي، حيث وفّر مستوى إيرادات عالية نظير عمليات الشراء التي تُدار عبر المصارف التجارية، والتي قد تُساهم في تغطية الدّين المحلي المتفاقم في الدولة والمُقدّر بنحو %270 من الناتج المحلي وفق تقديرات غير رسمية.
وحذّر بعض الاقتصاديين من خطورة تغيير سعر الصرف رغم النتائج الإيجابية الجزئية التي تحققت، وذلك للتخوف من تكرار سيناريو الليرة التركية التي تأثرت سلباً بسياسات تخفيض قيمتها، في إطار ما يُعرف اقتصادياً “بتعويم العملة”، بغية تشجيع الصادرات وتخفيض فاتورة الصادرات إلّا أن الأمر في ليبيا لم يكن متبوعاً بسياسات اقتصادية بنيوية، حيث ساهم القرار وفق منتقديه لرفع مستوى التضخم في البلاد، وهو وإن كان تضخماً مستورداً نتيجة ارتفاع أسعار الوردات الخارجية ورفع فواتير الشحن إلا أن عوامل محلية ساهمت أيضاً في مفاقمة الوضع الاقتصادي، على رأسها تخفيض العملة الوطنية في حدود %22، وهي نسبة زيادة سعر الصرف على ما كان عليه في سنة 2020.
الحكومة وجدت أيضاً في عوائد بيع العملة الأجنبية فرصة لرفع مستوى الإنفاق، والتي غطّت من خلالها مخصصات بعض القرارات الشعبوية كقرار دعم الزواج الذي استقطع من عوائد بيع النقد الأجنبي ما قيمته مليارَي دينار، مع استمرار الإنفاق الذي قد يقود لعجز في الإنفاق مقابل الإيرادات السيادية، وهو ما لا يمكن التحقق منه إلا من خلال تقارير مُفصّلة تَصدر عن وزارة المالية، تُبيّن حجم الإنفاق مقابل الإيرادات، وهذا التوسع سيجعل من إعادة النظر وتخفيض سعر الصرف أمام الدولار الأمريكي بعيد المنال مع ارتفاع فاتورة الإنفاق على بند المرتبات لنحو 60 مليار دينار، في حال اعتماد جدول المرتبات الموحد.
ويظل تغيير سعر الصرف بين الإيجابيات والسلبيات مرهوناً بخطوات أخرى أكثر فعالية، على رأسها توحيد المصرف المركزي وفتح المقاصة بين المصارف شرق وغرب البلاد، وإحداث نقلة نوعية في مصادر دخل الاقتصاد الوطني وتمويل الخزانة العامة لصياغة تصور لاقتصاد قادر على مجابهة الطوارئ الدولية كوباء كورونا، وارتفاع الأسعار العالمية، بالإضافة لاستيعاب المشاكل الداخلية وعلى رأسها تفاقم البطالة وغياب الاقتصاد الخاص المنافس للاقتصاد الريعي الوطني، الذي يحتكر وفق بيانات وزارة المالية %88 من حجم القوة العاملة القادرة في البلاد.