بطء سير إجراءات توحيد المركزي.. هل يماطل الكبير؟
يواجه رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، ضغطاً مالياً متزايداً، مع توقف تحويل الإيرادات المالية المحصلة من عوائد بيع النفط الخام والمودعة في المصرف الليبي الخارجي، والتي تضاءلت بشكل حاد مع توقف تصدير الخام عبر موانئ وحقول مهمة في إطار الضغط السياسي؛ لتمكين حكومة باشاغا من ممارسة مهامها، بالإضافة لتمرير مكاسب استراتيجية لأطراف سياسية، عبر اعتماد آلية بديلة لتوزيع العوائد، تسهم في إضعاف سطوة المصرف المركزي، والتقليل من نفوذ وقوة الحكومة المركزية الحالية والمستقبلية في العاصمة طرابلس.
توجه تدعمه أطراف دولية فاعلة في المشهد الليبي، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي دعا سفيرها لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، إلى اعتماد آلية تتضمن توزيعاً عادلاً للعوائد النفطية، وهو ما تلقفه رئيس الحكومة الليبية فتحي باشاغا، الذي طالب رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، بعرض مقترحات حول هذه الآلية، بالإضافة للضغط المصري بهذا الاتجاه، حيث سبق للرئيس المصري الذي تستضيف بلاده حراكاً دبلوماسياً مكثفاً بشأن الأزمة الليبية، الدعوة بشكل علني لتوزيع عادل للثروات في ليبيا.
مواقف دولية، وحقائق على الأرض، تُضيّق من خيارات الدبيبة الذي يعتمد في سياساته الإنفاقية التوسعية على العوائد النفطية، والتي أجاد استخدامها بطريقة شعبوية، تهدف لرفع رصيده الدعائي، إلا أن ضيق الخيارات لا يعني انعدامها، خاصة في ظل تراكمات مالية كبيرة لدى المصرف المركزي ناتجة عن بيع النقد الأجنبي، لم يتم استخدامها وفق بيانات المركزي، ولكن هل يلتزم الكبير بدعم الدبيبة؟
لطالما كان الصديق الكبير محوراً رئيسياً في المشهد السياسي، وفي خارطة التحالفات المصلحية التي تشهدها طرابلس خاصة، وهو ما دفع أطرافاً إقليمية لمحاولة استمالته وكسب تأييده، حيث تشير معلومات عن اختتامه زيارة إلى العاصمة المصرية القاهرة، التي توافد إليها خلال الأيام الماضية عدد من الشخصيات الوازنة، في إطار مساعٍ لتسوية سياسية شاملة، بالتزامن مع قرب انطلاق الجولة الثانية من المشاورات المشتركة بين مجلسي النواب والدولة، بشأن التوافق على القاعدة الدستورية، وتعديل القوانين الانتخابية، مما يدفع باتجاه الإعداد لصفقة ما قد تقود لتمكين الحكومة الليبية، التي تدعمها القاهرة بشكل علني، في ظل مضي مجلس النواب في بحث الموازنة المقترحة من باشاغا، والتي تصدم بمعضلة التمويل في حال تمريرها، وهي معضلة لا يملك مفاتيحها سوى الكبير المتحكم في خزائن المصرف المركزي.
سيناريو مقلق، دفع الدبيبة للمسارعة في لقاء الكبير، والتأكيد على الشفافية في بيان المصروفات الحكومية، وحث المؤسسات العامة على تقديم تقارير شهرية بالخصوص، لدحض ادعاءات الفساد المالي التي تلاحق حكومته، وقطع الطريق أمام خطط تحييد العوائد النفطية عن حسابات وزارة المالية بالمركزي، وهو خيار يضر بالدبيبة والكبير على حد سواء، حيث سيخسر الأخير جزءاً كبيراً من نفوذه وتحكمه في المشهد المالي في البلاد، وهو ما يبرر المماطلة في تنفيذ إجراءات توحيد قطبي المصرف المركزي، والذي يعني في حال نجاحه عودة مجلس الإدارة المنقسم وسحب الصلاحيات الواسعة التي منحها الكبير لنفسه في ظل غياب المجلس، كما أنها تمنع نائب المحافظ علي الحبري من تكرار سيناريو الانقسام، أو اتخاذ إجراءات فردية لدعم الحكومة الليبية، على غرار ما فعله مع حكومة الثني، والتي أدت لمفاقمة الدين العام، والإضرار البالغ بالوحدة النقدية للبلاد، وما صاحبها من مضاعفات متعلقة بأزمة السيولة وتوسع المعروض النقدي.
ويظل الفاعل الخارجي الأكثر تأثيراً في المشهد الداخلي الليبي، فجهود توحيد المصرف المركزي تحظى بدعم غربي، وأممي، وهو يسير وفق خطة غير معلنة، قدمتها شركة ديلويت المالية الدولية المتخصصة، خطة أكد الكبير أنها ستستغرق نحو 6 أشهر لتنفيذها، وتتضمن عدداً من المراحل، إلا أن المقاصة بين المصارف لم تفتتح وأزمة الدين الداخلي “لم يعلن عن حجمه بشكل دقيق”، لم تعالج حيث لم يطفُ للسطح سوى مبادرة حُسن نية، تمثلت في توجيه مبالغ من السيولة النقدية لمصارف المنطقة الشرقية، قيل إنها حددت بمليار دينار، مع تكثيف اللقاءات الثنائية في تونس، والتي كشف الحبري لـ218 أنها ستكرر في سبتمبر القادم، وهو ما يعني ضمنياً تأخر أي معالجات جذرية لأزمات تغيير سعر الصرف، الذي أضر بالقوة الشرائية للمواطنين، وفاقم غلاء الأسعار.