بداية النهاية للألعاب الفيزيائية
مؤخرًا أعلنت شركة سوني العريقة، عن جهازها الجديد البلاسيتشين 5 – PS5. ونقطة تميز الجهاز لم تتمثل فقط في إمكانيات الهارد وير الجبّارة التي تميز بها، وأيضًا لم تتمثل بالتحديد في الحصريات العبقرية التي تغنَّت بها سوني طوال الحدث المباشر. بل تمثلت في عزم سوني على وضع بصمتها في عالم الألعاب الرقمية فعلًا، وظهور رغبة مُلحة لها على سحب البساط من أسفل الأقراص الفيزيائية مع الوقت.
أصدرت سوني نسخة خاصة (رقمية تمامًا) من الـ PS5، تحت عنوان PS5 – Digital Edition. وهي نسخة بها نفس العتاد الموجود في النسخة الأصلية، إلا أنه لا يوجد بها قارئ أسطوانات على الإطلاق. وبهذا الذي سيشتري تلك النسخة، سيكون اعتماده الرئيسي على متجر سوني الرسمي، والشراء بكروت الائتمان وما إلى ذلك. الأقراص بالنسبة له ستصبح من الماضي، وإمكانية إعادة بيعها مرة أخرى ستصير حلمًا بعيد المنال.
السؤال المطروح هنا، هل إصدار سوني لهذه النسخة، يُنبئ ببداية النهاية للألعاب الفيزيائية؟ هل سيأتي وقت ما تفرغ فيه أرفف المحال بالكامل من الأقراص، وبدلًا منها نجد المزيد والمزيد من اشتراكات الـ PS PLUS التي وقتها ستكون هي محور حياة اللاعب؟
الأرقام تتحدث
قبل التحدث عن مميزات النسخ الرقمية مقارنة بالنسخ الفيزيائية، يجب تسليط الضوء على معدلات مبيعات سوق الألعاب بالفترة الأخيرة. حيث أن تلك المعدلات، هي المبرر الأقوى لتقديم سوني لنسخة من جهازها الجديد، فقط مخصصة للألعاب المُشتراة رقميًّا.
حسب إحصائيات موقع NPD الشهير، حققت صناعة الألعاب نموًا مهولًا في شهري أبريل ومايو من عام 2020. وذلك بالطبع بسبب فيروس كورونا المستجد، والعزل المنزلي الذي أجبر العالم كله عليه. ولا توجد تسلية في وقت العزل إلا الألعاب بالطبع. لكن المثير في الأمر، هو الاختلاف الجوهري بين مبيعات النسخ الفيزيائية، والنسخ الرقمية من نفس اللعبة.
لنأخذ لعبة Call Of Duty: Modern Warfare على سبيل المثال. حاليًّا اللعبة هي رقم 1 من حيث المبيعات حسب موقع npd. وبما أن Activation لا تُصرح عن المبيعات الحقيقية، إلا أن متجر Blizzard المتاحة عليه اللعبة رقميًّا، أظهر ما تُخفيه الشركة. قال الـ CEO الخاص بالمتجر، إن طَور Warzone الخاص باللعبة (والمتاح تحميله مجانًا)، تم تحميله أكثر من 60 مليون مرة. وأن الكثير من عائدات الشركة بالفترة الأخيرة، أتت من المستخدمين الذين أعجبهم هذا الطَور، وقرروا الترقية إلى النسخة الكاملة من اللعبة، والتي سعرها هو 60 دولارا. والترقية هنا هي ترقية رقمية من خلال المتجر، ولا دخل لها على الإطلاق بالأقراص. لذلك منطقيًّا، أغلب مبيعات أكتفيجن أتت من النسخ الرقمية، لا الفيزيائية.
ومن ناحية سوني، صرَّح جيم رايان في إحدى المقابلات، أن مبيعات الربع الأول من عام 2020، كانت للنسخ الرقمية منها نصيب الثلثين، بينما النسخ الفيزيائية الثلث فقط. لهذا طرحت سوني نسخة رقمية من الـ PS5، والتي ستكون بالطبع أرخص من النسخة الأصلية (وضعًا بالاعتبار سعر قارئ الأسطوانات). ربما ستكون النسخة الرقمية 450 دولارا، بينما النسخة الأصلية 500 دولار.
مميزات النسخ الرقمية، مقارنة بالنسخ الفيزيائية
في الواقع، هناك عشرات العشرات من المزايا التي تتمتع بها النسخ الرقمية، مقارنة بالنسخ الفيزيائية. لكن هنا سوف نسلط الضوء على أبرز تلك المزايا، والتي يبدو فعلًا أن سوني أصدرت نسخة خاصة من الـ PS5 من أجلها. حيث بالتأكيد استشعرها الجمهور، وبناء عليه انكبّ على شرائها أكثر من الفيزيائية.
والمزايا كالآتي:
السعر المغري: النسخ الرقمية دائمًا أرخص في السعر من النسخ الفيزيائية. فإذا كانت النسخة الفيزيائية سعرها 70 دولارا أمريكيا، فالرقمية سيكون سعرها في الأغلب هو 60 دولارا فقط. ففي الأساس، اللعبة سعرها 60 دولارا، والـ 10 الإضافية تكون هي سعر الأسطوانة، وسعر طباعة غلافها، وكذلك تكلفة أي كُتيِّب إضافي يأتي معها.
العروض المستمرة: المميز جدًا في النسخ الرقمية، هو أن المنصّات العارضة لها، تَعمد إلى عمل العديد من العروض مع الوقت. فمثلًا إذا قررت يوبي سوفت إصدار لعبة جديدة قريبًا في سلسلةٍ ما، فعلى الأغلب ستقوم بعمل Bundle Offer يتضمن ثلاث ألعاب من نفس السلسلة، بسعر لعبة واحدة. ونفس الأمر ينطبق على أغلب المتاجر الرقمية للألعاب. على عكس النسخ الفيزيائية التي تكون فيها العروض محدودة للغاية، نظرًا لوجود تكلفة شحن وتوزيع ومكسب إضافي للمتجر، فمن الصعب عمل عروض عليها جدًا. إلا بالطبع إذا مرت فترة طويلة على اللعبة وشارفت على الموت، وقتها سيتنازل المتجر ويعرضها بسعر أرخص، حتى لا تبقى لديه أبد الدهر دون بيعها.
الشراء السهل: في ظل الأوضاع الحالية التي يمر بها العالم، أصبح النزول إلى المتاجر شبه مستحيل. وكذلك أصبح شراء الأقراص من على الإنترنت، مملًا ويأخذ الكثير من الوقت (خصوصًا إذا اشتريت من خارج البلاد). هنا يزدهر سوق الألعاب الرقمية بدون شك. بمجرد شحن بطاقتك الائتمانية، يمكنك شراء اللعبة، واللعب على الفور. لا حاجة للانتظار، لا حاجة لتقل المتعة!
لن تتلف النسخ الرقمية: بدون شك، النسخ الرقمية ستظل نسخًا رقمية، ستظل محفوظة في مكتبتك للأبد، وستظل كما هي مهما حدث. على عكس النسخ الفيزيائية التي مثلها مثل أي أسطوانة أخرى، مع كثرة الاستخدام، تقل في الجودة. مع الوقت ستعاني الأسطوانات من الخدوش، مما يجعل قيمتها أدنى عند إعادة بيعها لاحقًا.
الخدمات السحابية لها تأثير أيضًا
لا تعتقد أن سوق الألعاب الرقمية سيكون حِكرًا على منصّات اللعب المنزلية مثلًا، الأمر أكبر من ذلك بكثير.
الخدمات السحابية لها تأثير كبير في هذا السوق المتنامي. تعتمد الخدمات السحابية على لعب الألعاب أونلاين بشكل مباشر، دون الحاجة إلى تحميل اللعبة، أو حتى شراء جهاز قادر على لعبها من الأساس. وسوني التي أصدرت نسخة PS5 خاصة بالألعاب الرقمية فقط، أيضًا لديها خدمة ألعاب سحابية خاصة تحت عنوان PS NOW. أجل، الآن عناوين الخدمة محدودة للغاية، لكن اهتمام سوني مؤخرًا بعالم الألعاب الرقمية، بالتأكيد سيفتح الباب لتطويرها أكثر في المستقبل.
وكذلك قامت مايكروسوفت بعمل خدمة مشابهة تحت عنوان Xbox Game Pass، وسعرها مغري للغاية مقابل الألعاب التي ستحصل عليها. وهناك أيضًا خدمة Stadia التي قدمتها جوجل منذ فترة، وكان لها سبق استعراض Assassin’s Creed Odyssey لأول مرة على خدمة سحابية، لكن لم تكن تجربة موفقة في الواقع، حيث شابتها العديد من المشاكل المتعلقة بالبثّ والتحكم.
هل ستستطيع مايكروسوفت محاربة خطوة سوني العبقرية؟
من المعروف أن العدو اللدود لسوني هو مايكروسوفت، والمنافس الشرس للـ PS5 هو الـ Xbox One X-Series. لكن مع إصدار سوني للنسخة الرقمية من الـ PS5 تحت عنوان PS5 – Digital Edition، انقلبت الموازين. خصوصًا أن تلك النسخة الرقمية نسخة مماثلة تمامًا للنسخة ذات قارئ الأسطوانات من حيث الهارد وير.
أيضًا في الماضي أصدرت مايكروسوفت نسخة رقمية من الإكس بوكس تحت عنوان Xbox One S All-Digital Edition. وبالآونة الأخيرة انتشرت أقاويل تنص على أن مايكروسوفت تنوي تقديم نسخة جديدة من الجهاز الرقمي السابق، للمنافسة مع جهاز سوني الجديد.
والجدير بالذكر أن النسخة الرقمية، والأصلية من الـ PS5 ستكونان في نفس الحجم، وحجمهما كبير فعلًا. وذلك عبر مقارنة حجم قارئ الأسطوانات في مختلف إصدارات أجهزة اللعب المنزلية، بحسب كلام خبراء الإنترنت.
لكن بعيدًا عن ماضي مايكروسوفت، السؤال المهم هو: لمن ستكون الغلبة؟
للإجابة عن هذا السؤال، يجب تسليط الضوء على سرّ نجاح سوني في الأساس في هذا الجيل: الحصريّات!
تُبدع سوني على الدوام في تقديم حصريّات جبّارة تسحر الجمهور سحرًا. تعتمد حصرياتها على القصص في الأساس، بينما يكون الجرافيك عاملًا جانبيًّا في العديد من ألعابها الشهيرة. هذا لا يعني أن الجرافيك سيئ. بالعكس، الجرافيك ممتاز، لكن لاعب الـ PS يشتري الحصريات من أجل القصة فوق أي شيء.
وفي المقابل، الإكس بوكس هذه المرة ينافس بالهارد وير، وشهدنا ذلك بالطبع في العرض التشويقي المذهل للعبتيّ Senua’s Saga: Hellblade 2 و Halo Infinity، واللتان تميزتا بالجرافيك الرائع بفضل المحرك الجديد. وكذلك بالفترة الماضية استحوذت مايكروسوفت على العديد من الاستوديوهات القوية في مجال تطوير الألعاب، في محاولة منها لتقليد سوني، وتقديم حصريات ترقى لمستوى المنافسة.