بالتزامن مع إجازة العيد.. تونس تستقطب آلاف السياح الليبيين
تعد تونس وجهة سياحية مفضلة للعديد من الليبيين الذين يرتادونها للترفيه والاستجمام أو للعلاج والاستشفاء، مستغلين الجوار الجغرافي والميزات الاستثنائية التي توفرها الوجهة التونسية للسائح الليبي، حيث نجحت خلال سنوات في ترسيخ مكانتها التي لم تنجح في منافستها سوى الوجهة التركية التي شهدت زخماً في السنوات الأخيرة.
سجلت المنافذ الحدودية بين البلدين اكتظاظاً وازدحاماً من السياح الراغبين في دخول الأراضي التونسية خلال إجازة العيد، وهي من الإجازات التقليدية التي يرغب الكثيرون في استغلالها للسفر والاستجمام عقب شهر رمضان، واستغلال العروض السياحية التي توفرها الفنادق والمراكز الترفيهية في القطر التونسي على وجه الخصوص، مع انخفاض سعر صرف الدينار التونسي أمام الدولار الأمريكي، حيث أفاد مدير معبر رأس اجدير الحدودي سالم العكعاك لـ218 بدخول نحو 25 ألف مواطن ليبي إلى تونس عبر المنفذ خلال أيام العيد الثلاثة، ولكن لماذا تونس تحديداً رغم اتساع دائرة الخيارات المتاحة للسائح الليبي وكيف فشلت المراكز السياحية في البلاد على قلتها في كسب ثقة المواطن الليبي؟
جودة الخدمات وبنية سياحية قوية
تعتمد السياحة بأنواعها الترفيهية والعلاجية والتعليمية على بنية تحتية قوية تستوعب متطلبات وخصوصيات السائح ،كما تحقق درجة من الرضا في الخدمات المقدمة وهو تحدٍ تصنعه تراكمات الخبرة وحجم الإنفاق الاستثماري مع توفر بيئة جاذبة وعقلية مجتمعية متقبلة للأجنبي الزائر، وهي عوامل ترسم الفوارق الرئيسية بين الوضع السياحي في ليبيا وتونس، حيث مثّل الدخل الذي توفره السياحة رافداً مهماً للاقتصاد التونسي، بينما لم يكن مثار اهتمام في بنية الاقتصاد الليبي الريعي المعتمد على الصادرات النفطية رغم المحاولات الخجولة لاستقطاب السياح وتنشيط الحركة الداخلية في ليبيا والتي باءت بالفشل، بسبب غياب الرؤية الواضحة وافتقار البلاد لبنية تحتية داعمة حيث ظلت ثقة السائح الليبي موجهة للسوق الترفيهية في الخارج وتونس على وجه الخصوص.
لطالما كانت تونس مركز جذب سياحي ناتج عن سلسلة مترابطة من الخدمات المتنوعة، حيث تعد الوجهة السياحية العلاجية مفضلة للكثير من الليبيين في ظل انخفاض جودة المؤسسات الصحية الوطنية وارتفاع أسعارها مقارنة بنظيراتها في تونس، وهو ما دفع وزير الاقتصاد محمد الحويج لدعوة المصحات التونسية لفتح فروع لها في ليبيا، في محاولة لتوطين العلاج بالداخل ونقل الخبرة والحد من فاتورة العلاج في الخارج، وهي معالجة تصطدم بعقلية القطاع العام السائدة في ليبيا والتي تنافس القطاع الخاص وتقلل من أهمية الاستثمار فيه، في ظل غياب عدالة تنافسية مع المستشفيات العامة التي تقدم خدماتها بالمجان.
وبالإضافة للسياحة العلاجية بدت المؤسسات التعليمية والجامعية في تونس مقصداً لعدد من الليبيين بعد تدني مستوى التعليم في ليبيا، وخروجه من التصنيفات العالمية للجودة، ورغم انتظام دول المغرب العربي في اتفاقية تضمن التعليم المجاني وفق بروتوكولات خاصة موقعة بين دوله، إلا أنه ونظراً للإقبال المتزايد من الليبيين على المؤسسات التعليمية التونسية لجأت الأخيرة لفرض رسوم على الطلبة الليبيين، إلى جانب منح بعض المقاعد الدراسية المجانية وهو اتجاه يهدف لتنمية وتشجيع السياحة التعليمية بعدما كان مقصوراً على عدد محدد من الطلبة.
عوامل متراكمة أضعفت السياحة في ليبيا
ترتفع في ليبيا تكاليف الخدمات السياحية التي تعتمد في مجملها على الكادر الأجنبي المدرب عالي التكلفة، بالإضافة إلى غياب الزائر الأجنبي في ظل التوتر الأمني الذي تعيشه البلاد والذي يجعل منها وجهة غير محببة لشركات السياحة العالمية، مع غياب المرافق والخدمات ورغم توجه القطاع الخاص مؤخراً لإنشاء قرى سياحية في بعض المناطق الساحلية، إلا أنها كانت عالية الكلفة نسبياً مقارنة بتلك الموجودة في الخارج، وهي تكلفة تغطي الخسائر السنوية العالية وتكلفة التشغيل الباهظة، حيث ينحصر نشاطها في الغالب خلال موسم الاصطياف كما تصطدم بثقافة العيب والحشمة التي تمنع الكثير من العائلات الليبية من التواجد في الأماكن الترفيهية العامة، أو الانخراط في الأنشطة السياحية بينما تكون أكثر تقبلاً وانخراطاً خارج البلاد.
ورغم ما تتمتع به ليبيا من مواقع سياحية وتنوع مناخي تنافس أقوى الوجهات العالمية، إلا أنها ظلت دون استثمار حقيقي مع دعوات لإنشاء شراكات واسعة النطاق مع القطاع الخاص لتنمية القطاع والحد من استنزاف العملة الصعبة في وجهات خارجية، بالإضافة لتطوير منظومة النقل والبنى التحتية حيث تواجه ليبيا صعوبات كبيرة مع استمرار الحصار غير المعلن على المطارات الليبية، وترسيخ الصورة النمطية الثقيلة التي تجعل البلاد على قائمة الوجهات الأكثر خطورة حول العالم.
ولا يمكن النظر إلى الحالة الليبية التونسية من منطلق اقتصادي بحت دون التدقيق في الخصوصية التاريخية التي تجمع البلدين الجارين، ففي كل المحطات التاريخية التي مرت بها ليبيا حافظت تونس على علاقاتها القوية مع ليبيا، ومع اشتداد الانقسام السياسي ظلت الحكومات التونسية المتعاقبة على مسافة واحدة مع كل الفرقاء المحليين، وتختصر العبارة الشهيرة للرئيس التونسي الراحل الباجي السبسي “تونس وليبيا شعب واحد في دولتين”، توصيف العلاقة بين البلدين وحجم الترابط التاريخي ومبررا منطقياً لمن يتساءل عن سبب ازدحام المعابر التونسية بآلاف الليبيين القاصدين القطر التونسي.