انخداع الغولة
عمر أبو القاسم الككلي
في منطقة العموريين التي أنحدر منها بككلة، وتحديدا في المنطقة المسماة “لحلوق”، جمع حلق، والتي يقيم فيها أهالي المنطقة صيفا، توجد ثلاث عيون صغيرة هي المصدر المائي الوحيد، إذا ما استثنينا المواجل [لُمَّاجنْ] الخاصة، وهي نادرة ويضيق أصحابها بكثرة اللجوء إليهم للتزود بالماء.
العيون الثلاث تقع على مسافات متباعدة وهي ضنينة بالماء. لذا يحاول الأهالي تنظيم الورود عليها بحيث تُعطى كل عين منها مهلة أيام لتدر ما يمكن التزود به منها من الماء. يحدث أحيانا أن تذهب امرأة أو أكثر (النساء هن المسؤولات عادة على جلب المياه) إلى إحدى هذه العيون، فلا تجد بها ماء سوى ما يمكن أن تستفيد منه العصافير. حينها تضطر إلى الذهاب إلى عين أخرى.
من هذه العيون الثلاث عين تسمى “أم المصابيح”. وهي عين متميزة. إذ تقع في مغارة صغيرة داخل شِعب في الجبل ونادرا ما تذهب امرأة إليها وحدها.
ذهبت مع النساء إليها عدة مرات. كن عند ذهابهن إلى هذه العين يأخذن زينتهن ويرتدين حليهن الفضية التي تصدر وسوسة أثناء مشيهن.
تقع العين في مدخل المغارة، ويشرعن، فور دخولهن، في الزغاريد والغناء ويسارعن إلى اغتراف الماء في تعجل ووجل ظاهرين، ثم يغادرن مسرعات، كما لو كن يهربن من خطر.
في قصة لي كتبت سنة 2006 وتحمل نفس اسم العين ورد:
“ما لا يستوعبه هو ذلك التوتر الذي يسري في حركاتهن والرعشة التي تنتاب أصواتهن بمجرد الوصول إلى نهاية الشعب وبلوغ مدخل المغارة، حيث عين الماء الشحيحة. وما يثير استغرابه أكثر هو اندفاعهن إلى اغتراف الماء في استعجال وتوتر شديدين مطلقات، في العتمة الرطبة وسكون الهواء، زغاريد وأهازيج مترعة بارتعاشات الخوف، إلى درجةٍ لا يعدن يحرصن معها على ملأ أوعيتهن ملأ كاملا”.
وأستطرد في نفس القصة:
” فيما بعد عرف السر.
إذ تشيع حكاية بأن عروسا شابة اختطفت ليلة زفافها وذبحت هناك. فكن يخشين من أنهن إذا ما ظللن صامتات ستتنبه روحها المحبطة وتروعهن. لذا كن يخدعن هذه الروح بالزينة والعطر ورنين الحلي والزغاريد ليوهمنها بأن حفل زفافها مازال قائما صخابا وأن أشواقها اللائبة ستتحقق بعيد قليل.
ورغم ذلك كن يتعجلن الخروج والابتعاد خشية انكشاف الخدعة”.