الياباني المنفصم وعبء نوبل
عبده وازن
ما إن أُعلن اسم الروائي كازو ايشيغورو البريطاني الياباني الأصل، فائزاً بجائزة نوبل للأدب حتى اجتاح آلاف اليابانيين مواقع التواصل الإلكتروني طارحين سؤالاً واحداً: من هو هذا الروائي الياباني المجهول الذي قطف نوبل 2017؟ لم يكن ايشيغورو معروفاً في وطنه الأم إلا في نطاق ضيق جداً، على خلاف شهرته في بريطانيا، وطنه بالتبني، لاسيما بعدما فاز بجائزة مان بوكر الشهيرة عام 1989 عن روايته «بقايا اليوم». لكنّ هذا الروائي لم يتمكّن من تجاوز جذوره الضاربة في أديم اليابان، في مدينة ناكازاكي، مسقط رأسه، التي شهدت مأساة القنبلة النووية الأميركية عام 1945. بل لم يستطع تناسي سنيّ طفولته ويفاعه التي وسمتها تقاليد أسرته اليابانية التي حملها في دخيلته. ومهما أقنع ايشيغورو نفسه بانتمائه البريطاني وصدّقه فهو عاش حالاً من الانفصام أو «الاقتلاع»، الذي عبّر عنه خير تعبير في روايته الأولى «رؤية شاحبة للتلال» (1982).
شاء ايشغورو في روايته الأولى هذه أن يسترجع ذكرى وطنه الأول من خلال شخصية اتسوكو، المرأة اليابانية التي هاجرت بلادها الى بريطاينا ووجدت نفسها وحيدة بعدما ترمّلت مرتين وأنجبت فتاتين، الأولى من زوج ياباني والثانية من زوج بريطاني توفي أيضاً تاركاً لها منزلاً في الريف. ابنتها الأولى كييكو لم تألف الحياة البريطاينة وظلت منجذبة الى وطنها الأول (على خلاف ايشيغورو) ولم تحتمل العيش منفصمة ومقتلعة في هذا المنفى، فانتحرت. أما الابنة الثانية النصف يابانية وتدعى نيكي، فاختارت بعد موت أبيها بيل، الحياة في لندن بعيداً من أمها. لم يبق أمام هذه الأرملة إلا أن تتذكّر ماضيها ولو كان شبه مأسوي نتيجة قصف مدينتها ناكازاكي.
ولئن دارت وقائع معظم روايات كازو ايشيغورو في بريطانيا، أو انطلقت منها حتى بدت إنكليزية جداً، روحاً ومناخاً، فهو لم ينثنِ عن العودة إلى اليابان في رواية أخرى هي «فنان العالم العائم» (1987)، التي تسلك مسلك الذكرى ايضاً عبر شخصية الرواي الذي يدعى مازوجي أونو. رسام معروف، خدم في الجيش الياباني وعاش ويلات الحرب، يجد نفسه عجوزاً أمام أولاده ولا سيما ابنته نوريكو التي يحلم بتزويجها. يستعيد ماضيه ويسائله من غير أن ينسى شارع العالم «العائم» وهو الحي الذي أمضى فيه أجمل لياليه الحمراء. ولا يفوته طبعاً أن يسترجع مأساة الحرب العالمية الثانية والقنبلتين النوويتين ووقائع ما بعد الحرب.
يَعدّ كازو ايشيغورو نفسه بريطانياً ويقدم انتماءه هذا على أصوله، متحدثاً عن بريطانيا وكأنها الوطن– الأم البديل. لكنه، كما تدلّ روايتاه اليابانيتان جداً، لم يُشفَ من جرحه القديم، مهما بدا بريطانياً وعاش وكتب وشارك في معارك الدفاع عن «المملكة» القديمة. هذه الحال عرفها روائيون كثر، ظلوا منقسمين بين هويتين ووطنين. ولكن ماذا حمل كازو ايشيغورو إلى الأدب البريطاني؟ ماذا أضاف إليه؟ هل يمكن أن يُقارن مثلاً بروائي يدعى سلمان رشدي؟ أو بروائي يدعى نايبول؟
في أول تصريح له بُعيد فوزه، لم يذكر ايشيغورو الروائيين اليابانيين الكبيرين اللذين سبقاه إلى جائزة نوبل، ياسوناري كاواباتا وكنزابورو أوّي. أعرب عن سروره الكبير بإدراج اسمه بعد الشاعر والمغني الأميركي بوب ديلان الذي يحبه كثيراً ويدمن سماعه منذ فتوته.
فوجئ ايشيغورو مثل سواه بإعلان اسمه فائزاً ولم يصدّق «الإشاعة» حتى ورده الخبر اليقين. حتى ناشره البريطاني لم يصدّق. إنه «الحظ» ولكن محاكاً أو مركّباً في كواليس الأكاديمية السويدية.
هل تكون الجائزة عبئاً على ايشيغورو كما كانت عبئاًعلى سواه من الفائزين؟
______________________________