الوصفة: نفط وغاز وسيادة!
حمزة جبودة
دخل مصطفى صنع الله، رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، إلى حلبة الصراع الفوضوي في ليبيا، من أوسع أبوابها وأهمها على الإطلاق، النفط. وكان سبب دخوله قرار قائد الجيش المشير خليفة حفتر يقضي بتسليم الموانئ النفطية ومنطقة الهلال النفطي إلى المؤسسة الوطنية للنفط التابعة للبرلمان، في الخامس والعشرين من يونيو الماضي.
تصريحات السيد مصطفى صنع الله، يُمكن أن تجد لها مُبررا، إن كانت فنية لها علاقة بقصة إنتاج النفط والأسباب الفنية التي تواجه المؤسسة. ولكنّ تصريحاته ودعوته للجنة العقوبات الدولية، لتطبيق عقوبات على 48 شخصاً، بينهم رئيس المؤسسة الوطنية في بنغازي، فرج سعيد الحاسي، ومقرّبين من خليفة حفتر، فهذا يُعقّد الأزمة ولا يساهم في إيجاد الحلول لها، ويجعل من شخصه جُزءا من الأزمة لا الحلّ في الفترة القادمة، لأنه لجأ مباشرة إلى لغة الوعيد، في الوقت الذي كان عليه أن يبحث عن نقاط التقاء لا تفرقة، مثلا كان من الأولى له أن يقول: عليكم إبعاد المؤسسة الوطنية للنفط عن صراعاتكم، على المجلس الرئاسي والجيش الوطني، إيجاد حلول لأزمته السياسية، بعيدا عن المؤسسة الوطنية للنفط. اتركونا نعمل.
لكنّ صنع الله لم يكن لوحده في تصعيد الموقف، المجلس الرئاسي أيضا كان لهُ معالجة خاطئة، وأثبت أنه لا يعرف شيئًا عن إدارة الأزمات في ليبيا، وخصوصا في الملفات التي لها علاقة مباشرة بالخدمات اليومية لليبيين، وليس آخرها المؤتمر، الذي جدّد فيه السراج على لسان الناطق باسمه، التحذير من التداعيات السلبية لوقف صادرات النفط، وتأكيده على ضرورة خضوع الموانئ النفطية للمؤسسة الوطنية للنفط التابعة للمجلس الرئاسي، وأن تعمل تحت إشراف حكومة الوفاق، في الوقت الذي كان عليه أن يُجري اتصالاته مع شركائه في ليبيا، لا أن يتجه إلى الدول العظمى ومطالبتها بالوقوف معه. أزمة ليبيا ليست سياسية بحتة، وهذا ما تُثبته الأحداث كل يوم.
أما على الجانب الآخر، فنجد أن مجلس النواب، دائما ما يحاول أن يعمل على أي استفادة على حساب الآخرين، ويتغذى دائما على الصراع القائم بين الرئاسي والجيش، لا أن يبحث عن حلول واقعية تجمع لا تُفرّق. إضافة إلى هذا الدور المُربك للبرلمان، يأتي دور الأطراف التي لا تملك إلا لغة واحدة، وهي لغة الفرد الأوحد والتهميش، ، وهُنا تحديدا، نقصد السيد فتحي المجبري الذي سارع إلى دعم قرار الجيش، في الوقت الذي كان عليه أن يكون حلقة الوصل بين الأطراف، والبحث عن نقاط تجمع، لا مفردات لا تنتمي إلى القاموس السياسي، وكان معهُ في نفس الموقف حينها، نائب المجلس الرئاسي علي القطراني،الذي كان مندفعا مع الجيش في موقفه، دون اعتبار لما قد ينتجه هذا القرار من تداعيات خطيرة على ليبيا، وهُنا تكمن حقيقة الأزمة بين المجلس الرئاسي، والجيش الوطني، التي تُغذّيها أطراف من كلا الجانبين، تارّة تعمل على عصب التهميش وتارّة تعمل على عصب الشرعية الدولية، وإمكانية الحرب المباشرة في منطقة الهلال النفطي، التي دعا إليها أحدهم، قائلا أن قوات البنيان المرصوص هي التي يجب أن تحرس المنشآت النفطية، وهذه تُعتبر إشارة واضحة إلى خلق حرب ، بين الجيش الوطني وقوات البنيان المرصوص. وبالمناسبة، يجب القول في هذا الشأن، أن نقاط الالتقاء بين قوات البنيان المرصوص وبين الجيش الوطني كثيرة جدا، وأولها الاتفاق غير المعلن، بمحاربة الإرهاب، وتكوين قوّة عسكرية موحّدة. ولذا نجد أن أصواتا تُنادي بالحرب بين القوتين، لا توحيد صفوفها، لأنها دائما وأبدا ما كانت رافضةً لقوة منظمة، أو حتى قوة حاربت الإرهاب.
وهُنا موطن الداء الليبي، المتمثل في غياب الرؤيا الواضحة، والقرار السيادي الذي يُمكن أن يُوحّد الليبيين، وأيضا غياب ما يطلق عليه البعض بـ”التيار المدني” الليبي، الذي أصبح هُو الآخر مُشتتا، أسوة بجميع التكتلات السياسية والجهوية.
لن ننتج أو نصل إلى حلا ليبيا للأزمة، إن لم نصل إلى قناعة أن أغلبية الأطراف الخارجية ليس لها مصلحةً في أن يكون لليبيا قرارها السيادي. لن يشعر بك أحدا إن لم تتحرك بنفسك لملمة شركائك، لن يُقدّم لك أحدا مشروعا تنمويا، عليك أن تجتهد في البحث عن مشروعٍ مشترك.
قدّم مشروعك ومن ثُمّ تحرّك، هذه هي الوصفة.. لا أن تتحرّك وأنت لا تملك شيئًا، فكّر ومن بعدها، حاول أن تحصي خساراتك وعدد الخيبات التي قدّمتها على طبق من نفط وغاز وسيادة!